فانظر إلى هذا الحديث كيف أثبت الامر بين الامرين ونفى الطرفين بكلمتين موجزتين، حيث أنه نفى التفويض بقوله " وهو المالك، هو القادر "، ونفى الجبر بقوله " لما ملكهم وأقدرهم ".
توضيحه: انه قد عرفت أن المفوضة انما ذهبوا إلى ما قالوا من جهة توهم استغناء الممكن في بقائه عن المؤثر وان حدوثه كاف في بقائه، فلزمهم من ذلك نفى سلطنة الله تعالى وقدرته وخروج الأشياء بالوجود عن ملكه، فقد نفى عليه السلام ذلك بقوله " هو المالك " كما صرح بذلك في الآيات القرآنية على ما تقدم. وحاصل كلامه عليه السلام:
ان الله جل شأنه قادر على كل شئ ومالك كل شئ حتى اختيار الانسان، فلا معنى لقول المفوضة.
والجبرية انما التزموا بما قالوا من جهة توهم عدم مالكية العبد وعدم قدرته، لتخيل احتياج كل ممكن إلى علة موجبة، أو تخيل كون علمه تعالى أو ارادته علة لصدور الفعل، أو منافاة القدرة لسلطنة الله تعالى، فقد نفى جميع ذلك بقوله عليه السلام " لما ملكهم " و " على ما أقدرهم ". وحاصل كلامه: ان علمه تعالى وارادته متعلقان بقدرة العبد ومالكيته، فالفعل يصدر عن القدرة، وحيث أنه هو المالك والقادر فلا تنافى قدرة العبد مع قدرته وسلطنته.
وروى الكليني (قده) في الطريق 1 عن أمير المؤمنين عليه السلام بسند فيه رفع، و رواه الصدوق (ره) في العيون بعده طرق، والعلامة (ره) في شرح التجريد، وغيرهم في سائر الكتب الحديثية والكلامية: انه لما انصرف أمير المؤمنين عليه السلام من صفين إذ أقبل شيخ فجثى بين يديه ثم قال له: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام بقضاء من الله وقدر؟ فقال أمير المؤمنين (ع): أجل يا شيخ، ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر. فقال له الشيخ: عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين. فقال له: