مه يا شيخ فوالله لكم الاجر في مسيركم وأنتم سائرون وفي مقامكم وأنتم مقيمون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين. فقال له الشيخ: كيف لم نكن في شئ من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟ فقال عليه السلام له: وتظن أنه كان قضاءا وقدرا لازما، انه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهى والزجر من الله، وسقط معنى الوعد والوعيد، فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن، ولكان المذنب أولى بالاحسان من المحسن ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة اخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الأمة ومجوسها، ان الله تبارك وتعالى كلف تخييرا ونهى تحذيرا وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يملك مفوضا ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار - الحديث.
فانظر إلى هذه الرواية أيها الطالب للحقيقة كيف جمع فيها تحقيقات دقيقة ونفى الجبر والتفويض بالبرهان وذكر التوالي الفاسدة المترتبة على الجبر، وذلك أنه لما سأله الشيخ عن مسيرهم إلى الشام أبقضاء من الله وقدر، قال عليه السلام: أجل كل ما فعلتم كان بقضائه وقدره، فتوهم الشيخ من هذه الجملة الجبر، من جهة أنه صور القضاء والقدر واستنتج نتيجته، وهي: ان إرادة الله تعالى الأزلية التي لا تتخلف عن المراد متعلقة بأفعال الانسان، وكان لازم ارتفاع والحسن والقبح، ولذلك لما سمع الشيخ منه (ع) كون المسير بقضاء وقدر قال وهو في حال اليأس: عند الله احتسب عنائي، أي فعلى هذا كان مسيري من حيث تعلق إرادة الله تعالى غير اختياري لي فلم يبق لي الا الغناء والتعب.
فأوضح عليه السلام مراده وقال: وتظن انه كان قضاءا حتما وقدرا لازما لا دخل لاختيار العبد وارادته، ليس كذلك بل العبد مختار في فعله. فالقضاء والقدر عبارة عن الامر والحكم، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية كما صرح بذلك في رواية