التزموا في التوصليات بأن الفعل يقع مصداقا للواجب وان لم يؤت به بقصد التقرب إلى الله بل بالدواعي النفسانية. وغير خفى أن الفعل الصادر عن غير الداع القربى لا يكون متصفا بالحسن الفاعلي.
الثالث ما ذكره بعض المحققين من أن البعث والانبعاث متضائفان، والمتضائفان متكافئان في القوة والفعلية، فإذا لم يمكن الانبعاث ولم يقدر العبد عليه لا يمكن البعث أيضا.
وفيه: ما حقق في محله في بيان حقيقة الامر من أنه ليس الامر الا ابراز كون المادة متعلقة لشوق المولى.
الرابع ان ابراز المولى شوقه إلى الفعل لابد وأن يكون بداع من الدواعي، والا يكون لغوا وصدوره من الحكيم محالا، وفائدة ذلك ليست الا اتيان العبد به وتحصل ملاكه ومصلحته، فإذا لم يكن مقدورا فلا يترتب على الابراز ثمرة فيكون لغوا.
أقول: هذا وجه قوى، الا أنه يختص بالتكليف بغير المقدور مستقلا، ولا يجرى في التكليف بالجامع بين المقدور وغير المقدور، فإنه يمكن فرض فائدة في ذلك المورد، وهو أنه لو صدر منه ذلك الفعل غير المقدور بغير اختياره لكان مجزيا عن الاتيان بالفرد المقدور ويسقط التكليف بذلك، كما أنه يختص بالقدرة العقلية ولا يجرى في موارد عدم القدرة الشرعية، كعدم القدرة على الامر المهم في موارد التزاحم.
ولصاحب بن عباد كلام في هذا المقام لا بأس بنقله، قال في فصل له في هذا الباب: كيف بأمره بالايمان وقد منعه منه، وينهاه عن الكفر وقد حمله عليه، وكيف يصرفهم عن الايمان ثم يقول " أنى يصرفون " ويخلق فيهم الكفر ثم يقول " فأنى يؤفكون "، وأنشأ فيهم الكفر ثم يقول " لم تكفرون "، وخلق فيهم لبس الحق بالباطل ثم يقول " ولا تلبسوا الحق بالباطل "، وصدهم عن السبيل ثم يقول " لم تصدوا عن سبيل الله "، وحال بينهم وبين الايمان ثم قال " وماذا عليهم لو آمنوا "، وذهب بهم عن الرشد ثم قال " فأين تذهبون "، وأضلهم عن الدين حتى أعرضوا ثم قال " فما لهم عن التذكرة معرضين ".
وغيرها من الآيات الدالة على أن التكليف بما لا يطاق لم يقع، قال سبحانه