وجهك وتشويق بياضك بهذا السواد؟ فقال بلسان الحال: سلوا هذا المداد الذي ورد على وغير هيئتي وجلبتي. فقال للمداد: لم فعلت ذلك؟ فقال: كنت مستقرا في قعر الدواة لا صعود لي بنفسي عن ذلك القعر فوردت على قضبة تسمى القلم فرقاني من مقعدي، ولولا نزوله ما كان لي صعود. فقال للقلم: لم فعلت ذلك؟ فقال: كنت قصبا ثابتا في بعض البقاع لا حركة منى ولا سعى فورد على قهرمان سكين بيد قاطع فقطعني عن أصلى ومزق علي ثيابي وشق رأسي ثم غمسني في سواد الحبر ومرارته. فقال للسكين: لم فعلت؟
فأشارت إلى اليد، فاعترض عليها فقالت: ما أنا إلا لحم ودم وعظم حركني فارس يقال له القدرة فاسألها. فلما سألها عن ظلمها وتعديها على اليد أشارت إلى الإرادة، فقال لها: ما الذي قواك على هذه القدرة الساكنة المطمئنة؟ فقالت: لا تعجل لعل لنا عذرا وأنت تلوم، فانى ما انبعثت بنفسي ولكن بعثني حكم حاكم وأمر جازم من حضرة القلب وهو رسول العلم على لسان العقل بالاشخاص للقدرة والالتزام لها في الفعل، فانى مسكين مسخر تحت قهر العلم والعقل فلا أدرى بأي جرم سخرت لهما وألزمت لهما الطاعة، ولكني أدري أن تسخيري إياها بأمر هذا الحاكم العادل أو الظالم، فأقبل على العلم والعقل والقلب طالبا ومعاتبا إياهم على سبب استنهاض الإرادة وانهاضها للقدرة. فقال العقل: أما انا فسراج ما اشتعلت بنفسي ولكن أشعلت وقال القلب: اما أنا فلوح ما انبسطت ولكن بسطت وما انتشرت ولكن نشرني من بيده نشر الصحائف، اما العلم فقال: انما انا نقش في منقوش وصورة في بياض لوح القلب لما أشرق العقل وما انحططت بنفسي فكم كان هذا اللوح قبلي خاليا فاسأل القلم عنى واسأله عن هذا. فرجع إلى القلم تارة أخرى بعد قطع هذه المنازل والبوادي وسير هذه المراحل والمقامات، فوقع في الحيرة حيث لم يعلم قلما الا من القصب ولا لوحا الا من العظم والخشب ولا خطا الا بالحبر ولا سراجا الا من النار، وكان يسمع في هذا المنزل هذه الأسامي ولا يشاهد شيئا من مسماها، فقال له العلم: زادك قليل وبضاعتك مزجاة ومركبك ضعيف، فالصواب لك أن تؤمن بهذه المسميات ايمانا بالغيب وتنصرف وتدع ما أنت فيه.
فلما سمع السالك ذلك استشعر قصور نفسه فاشتعل قلبه نارا من حدة غضبه على