هذه هي عمدة ما استدل بها الماديون على نفى أمر آخر وراء أعضاء البدن، وهناك وجوه أخر يظهر ما فيها مما نورده على هذه الوجوه.
ويرد على الوجه الأول: انه إذا كان المفروض أمورا كثيرة بحسب الواقع لا وحدة لها، وليس وراء تلك الأمور شئ آخر، وكون ما نرى من الامر المشهود الذي هو النفس الواحدة هو عين هذه الادراكات الكثيرة. فما الموجب لحصول هذا الواحد الذي لا يشاهد غيره، ومن أين حصلت الوحدة.
وما ذكروه من الوحدة الاجتماعية غير مربوطة بالمقام، فان الواحد الاجتماعي هو الكثير في الواقع الواحد في الحس أو الخيال. لا في نفسه، والمدعى في المقام كون الادراكات الكثيرة في أنفسها هي شعور واحد عند أنفسها.
وان قيل: ان المدرك في المقام هو الجزء الدماغي.
توجه عليه: ان المفروض أن ليس للجزء الدماغي ادراك آخر وراء هذه الادراكات متعلقا بها كتعلق القوى الحسية بمعلوماتها الخارجية وانتزاعها منها صورا حسية.
وان قيل: انه لا وحدة لها وانما يشتبه الامر على الحس أو القوة المدركة فتدرك الكثير واحدا.
أجبنا عنه بأن الاشتباه من الأمور النسبية التي تحصل بمقايسة ما عند الحس بما في الخارج من واقع هذه المشهودات، وأما ما عند الحس في نفسه فهو أمر واقعي. مثلا: نشاهد الجرم العظيم من بعيد صغيرا كنقطة سوداء، فما عند الحسن - وهي النقطة السوداء - لا اشتباه فيها، وانما الاشتباه يكون لو قايسنا ما عنده بما في في الخارج من واقع ذلك المشهود. والمفروض في المقام أن لا مقام آخر وراء الادراكات الكثيرة كي يحكم بالاشتباه والغلط من مقايسة ما فيه بتلك الادراكات.
ويرد على الوجه الثاني: ان المثبتين لا يسندون بعض الأفاعيل البدنية إلى البدن وبعضها إلى النفس، والأول فيما علله ظاهرة، والثاني فيما علله مجهولة كي يرد عليهم ما ذكر. بل يسندون الا فاعيل الا البدن بلا واسطة والى تلك الحقيقة مع