هذا هو المراد من الرواية الشريفة المتضمنة انه " خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة " 1، فلا وجه لتوجيهها بتوجيهات بعيدة كما عن بعض المحقين.
وما ذكره المحقق الأصفهاني من أن ارادته تعالى التي هي أيضا من أفعاله، يستحيل أن تكون عين ذاته، لاستحالة كون الفعل عين فاعله، فلا محالة تكون قائمة بذاته. فان كانت قديمة بقدمه كان حال هذا القائل حال الأشعري الملتزم بقدم الصفات الزائدة على الذات وهو باطل بالضرورة. وان كانت حادثة كان محلها الواجب، إذ لا شئ آخر تقوم به، فيلزم كون الواجب محلا للحوادث، فيكون حال هذا القائل حال الكرامية القائلين بحدوث الصفات.
مندفع بما ستعرف من أن ارادته تعالى من صفات الفعل لامن صفات الذات، وليست أفعاله تعالى نظير أفعالنا، بل ارادته ليست الا خلقه وارزاقه وغيرهما من أفعاله.
وعليه فدعوى عدم كون ارادته من سنخ الافعال الصادرة عن الاختيار، حتى يكون موجودا قائما بنفسه أو بموجود آخر، فاسدة. وعلى الجملة ليس قيامها به الا كقيام سائر الأفعال به، بل هي هي.
الثاني ما في مقالات المحقق العراقي (ره) من أن انعزال الإرادة (أي الشوق) عن التأثير وكون تمام المؤثر هو الاختيار (أي اعمال القدرة) خلاف الوجدان. كيف ويعتبر في العبادات أن تكون اراده قربية، ولو انعزلت الإرادة عن التأثير فلا معنى لارادية العبادة ولا لنشؤها عن قصد القربة، وهو كما ترى.
أقول: ينبغي أن يعد صدور هذا الكلام من هذا المحقق النحرير من الغرائب، وذلك لان المراد من إرادية الفعل صدوره عن الاختيار الذي يكون واسطة بين الشوق والفعل، ومعنى اعتبار الإرادة القربية في العبادة أنه حيث يكون الاختيار بدواعي مختلفة فيعتبر في العبادات أن يكون بداع القربة ويكون المحرك أمر المولى، وهذا لا ينافي ثبوت الواسطة بين الشوق والعمل.