التزمنا بذلك فيعود المحذور ويثبت الجبر، إذ القسر على العلة قسر على المعلول.
وفيه: ان الجواب عن هذه الشبهة يتوقف على بيان مقدمتين: " الأولى " - انه لا يعتبر في انصاف الفعل بكونه اختياريا سوى القدرة عليه واستناد الفعل إليها، ولا يعتبر سبق الاختيار وان كان اختيارية الفعل الخارجي مساوقة لذلك. ولا يكفي مجرد القدرة، فلو كان الشخص قادرا على الذهاب إلى محل خاص ولكن لم يعمل قدرته في ذلك بل أجبر عليه وكان بتحريك الغير، لا يكون هذا الفعل اختياريا.
" الثانية " - ان كل ممكن بما أن الوجود والعدم بالإضافة إليه على حد سواء لا يعقل وجوده بنفسه، فلا محالة يحتاج إلى الموجد ليخرج به عن حد الاستواء. وغير الأفعال الاختيارية من الموجودات يحتاج إلى العلة التامة، وأما الأفعال الاختيارية فلا يتوقف صدورها عليها، بحيث يكون الموجد لها لا يكاد ينفك عنها كما عرفت. وبعبارة أخرى:
دعوى احتياج الأفعال الاختيارية إلى شئ يستحيل انفكاكها عنه، من الاشتباهات الناشئة عن التعبير باحتياج الممكن في وجوده إلى العلة.
وبهذا البيان يندفع ما يقال: كيف يلتزم بوجود الصانع القديم وحدوث الممكنات، ولو كان الله تعالى علة لما أمكن التخلف ولزم القدم في جميع الممكنات.
إذا عرفت هاتين المقدمتين فاعلم: ان اعمال القدرة والاختيار انما يكون فعلا قائما بالنفس، وهي موجدة له بنفسها ويكون هو اختياريا بلا احتياج إلى العلة التامة.
والنفس ليست علة تامة له حتى يستحيل انفكاكه عنها فيعود المحذور، بل النفس موجدة له، فقد يوجد الداعي لها فتوجده وأخرى لا ينقدح لها الداعي فلا توجده، فالفعل الخارجي اختياري للنفس بوساطة اختيارية فعل النفس لا بنفسه، لأنه ليس من أفعالها مزاحم في سلطانها يكون الفعل الخارجي اختياريا للنفس.
ومعنى كونه اختياريا لها صدوره مسبوقا بالاختيار، وأما فعل النفس، وهو اعمال القدرة، فهو اختياري لها بنفسه بلا وساطة شئ آخر وبلا احتياج إلى سبق اختيار آخر.
وهذا نظير العلم، حيث أن المعلوم ينكشف بوساطته وهو منكشف بنفسه. ولعل