والساقط منه.
الثاني - ما ذهب إليه جماعة منهم أبو الحسن الأشعري وأتباعه وهم كثيرون، فإنهم لما رأوا شناعة المذهب الأول فروا منه بما لا ينفعهم، وقالوا: ان أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله وحده وليس لقدرتهم تأثير فيها، بل الله سبحانه أجرى عادته بأنه يوجد في العبد قدرة واختيارا، فإذا لم يكن هناك صانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما، فيكون فعل العبد مخلوقا لله تعالى ابداعا واحداثا ومكسوبا للعبد.
وقد ذكروا في المراد من الكسب وجوها، أحسنها ما قاله القاضي أبو بكر الباقلاني، وهو أن الانسان، وان كان فعله صادرا عنه بغير تأثير منه في صدوره، الا أن تلونه بلون حسن أو قبيح انما يكون بقدرته واختياره. مثلا: ضرب اليتيم إذا صدر منه يكون المؤثر في أصل تحققه هو الله تعالى، الا أن قصد كونه للتربية فيكون حسنا أو الظلم فيكون قبيحا انما فوض إلى العبد، وهذا هو المعيار للثواب والعقاب.
ولكن الظاهر أنه لا ينفعهم ذلك أيضا، إذا القصد بنفسه فعل من الافعال، فعلى القول بالكسب لابد وأن يكون ذلك أيضا صادرا عن إرادة الله تعالى وقدرته، فلا اختيار أصلا.
ولعله لذلك قال العلامة المجلسي (ره): والمراد بكسبه إياه مقارنته لقدرته وارادته، من غير أن يكون هناك تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلا له، وقالوا نسبة الفعل إلى العبد باعتبار قيامه به لا باعتبار ايجاده له.
والالتزام بأحد هذين المذهبين مستلزم لانكار التحسين والتقبيح العقليين بالإضافة إلى أفعال العباد، لأنهما انما يكونان على الأفعال الاختيارية. ألا ترى أن السيف إذا وقع آلة لقتل من يحسن قتله لا يحسنه العقلاء. وعلى القول بالجبر السياف والسيف متساويان في القتل وكل منهما آلة لوقوعه، فالسياف أيضا لا يستحق التحسين.
كما أن القائلين بأحد هذين القولين - أي الجبر - وقعوا في اشكال تكليف العصاة، لأنه ان لم تكن ارادته تعالى متعلقة بالفعل فلا يكون التكليف جديا، وان كانت ارادته متعلقة به فكيف تتخلف عن المراد.