يكون منشأ ذلك وضعه للدلالة عليه، أو الاطلاق ومقدمات الحكمة، أو حكم العقل، المعروف والمشهور بين الأصحاب هو الأول، واختار جماعة القول الثاني، وذهب جمع من المحققين منهم المحقق النائيني (ره) إلى الثالث، وهو الأظهر.
والوجه في ذلك سيأتي في مقام بيان وجه دلالة الصيغة على الوجوب فإنه يجرى في المقام لان معنى لفظ الامر المستعمل في مقام الطلب هو معنى صيغة الامر، فالكلام فيهما واحد.
وقد استدل المحقق الخراساني للقول الأول بانسباق الوجوب عنه عند اطلاقه، ويرده انه ممنوع بعد استعماله في الكتاب والسنة في موارد الاستحباب كثيرا، وكذا في العرف، وصحة تقسيمه إليهما ولو باعتبار الأمور الخارجية، وصحة السؤال عن كونه وجوبيا أم استحبابيا بعد الامر بشئ، مع أنه نرى بالوجدان انه لا يصح ان يقال: ان زيارة الحسين - عليه السلام - أو صلاة الليل، لم يؤمر بها في الاسلام فلو كان حقيقة في الوجوب لصح هذه الدعوى، ثم انه (قده) أيد ما افاده بأمور أربعة:
الأول: قوله تعالى " فليحذر الذين يخالفون عن امره " وتقريب كونه مؤيدا: ان التحذير في الآية الشريفة رتب على الامر غير المقيد بشئ، فمقتضى اطلاقها ان الامر ملازم للتحذر، ومعلوم ان هذا لازم الامر الوجوبي لا الاستحبابي.
وفيه: ان أصالة العموم أو الاطلاق انما يرجع إليها لتسرية الحكم إلى ما علم كونه فردا للعام أو المطلق، وشك في ثبوت الحكم له، لا فيما علم ثبوت الحكم أو عدمه، وشك في كونه فردا له فلا يصح التمسك بها لا ثبات فردية المشكوك فيه أو عدمها.
الثاني: قوله (ص) " لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك "، وتقريب الاستدلال به أو جملة مؤيدا - أمران - الأول: ما مر والجواب عنه ما عرفت، الثاني: ان مفهومه انه بما ان الامر يوجب المشقة فما أمرت بالسواك، مع أن الطلب الندبي متعلق بالسواك قطعا، فيستكشف من ذلك عدم صدق الامر على الطلب الندبي.
وفيه: ان التمسك بأصالة الظهور انما يكون فيما كان اللفظ ظاهرا في شئ ولم يعلم كونه مرادا كما لو أحرز وضع لفظ الأسد للحيوان المفترس، وقال المولى جئني