العقلاء سلطانا، فلا محالة لا تعم الآيات النهي عن اتباع الطرق العقلائية التي هي من مصاديق السلطان والحجج العقلائية.
فمن هذه الآيات: ما مر من قوله تعالى في سورة يونس: " إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون "، أفتراه تعالى بعد ما قرر عليهم أنه ليس عندهم سلطان على ما يقولون حكم عليهم بأنهم يقولون على الله ما لا يعلمون، فلو كان عندهم سلطان وحجة عقلائية لكان قولهم قولا بالعلم.
ومنها: مر من قوله تعالى في سورة النجم: " إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى "، فقد حكم عليهم بأن إشراكهم بالله بأصنامهم مجرد تسمية منهم ومن آبائهم من دون أن يقوم عليها سلطان، وبعد ذلك لم يرهم لائقين للخطاب، فإنهم يتبعون أهواء أنفسهم ومجرد ظنونهم وخيالاتهم، مع أنه قد جاءهم من ربهم الهدى، وإسناد السلطان بأنه ينزل من الله ليس أزيد من أن الأدلة والحجج هدايات من الله تعالى وإرشادات من ناحيته، لا أنه تقييد في إطلاق السلطان، ولهذا فليس بين هذا التوصيف وبين إطلاق آية يونس تناف ولا تهافت ولا تغاير.
ونظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عن احتجاج هود (عليه السلام) على قومه:
* (أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان) * (1)، وقوله تعالى حكاية عن احتجاج يوسف على صاحبيه في السجن: * (ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) * (2).
القرينة الثالثة: أنه تعالى طلب من المشركين وغيرهم في آيات متعددة أن يأتوا ببرهانهم على قولهم، ومن الواضح أن المطلوب منهم هو أن يأتوا بما يعد عندهم برهانا، وأنه لو كان عندهم برهان على ما يقولون لما قامت عليهم حجة،