وطريقا في الجملة، وليست طريقيته على القول بها من المخترعات الشرعية، وحينئذ فإذا القيت عليهم مثل الآية المباركة يفهمون منها - بملاحظة التعليق على الشرط المذكور فيها - أن النبأ إن جاء به الفاسق يجب مقدمة للعمل التبين عنه، وإلا فلا، فموضوعها النبأ الكلي الذي قد يجوز أن يأتي به الفاسق وغيره، وأفادت الآية أنه إن كان الجائي به فاسقا وأتى هو به فلا يجوز العمل به إلا بعد التبين، ومفهومه الواضح جواز العمل به إن لم يكن الجائي به فاسقا، وعليه فليس الشرط شرطا محققا للموضوع، إذ المراد به ما كان مساوقا ومساويا في الوجود لموضوع الحكم، كما في قولك: " إن ركب الأمير فخذ ركابه "، و " إن رزقت ولدا ذكرا فاختنه "، والموضوع هنا هو النبأ الكلي، وهو ليس مساوقا لموضوع وجوب التبين عن نبأ الفاسق، لإمكان تحققه بإتيان غير الفاسق به، فمجئ الفاسق بالنبأ وإن كان محققا لبعض مصاديقه إلا أنه لا يوجب أن يكون من الشرط المحقق للموضوع الذي لا مفهوم له عرفا إلا مع المساوقة والمرادفة المذكورة، وهي غير متحققة فلا بأس بانعقاد المفهوم له.
فالإيراد الأول الذي جعله الشيخ غير قابل للاندفاع مندفع بالمرة.
وأما إيراده الثاني فملخصه: أن تعليل لزوم التبين وعدم الحجية بإصابة القوم بجهالة والندامة عليها جار في خبر غير العادل أيضا، إذ هو أيضا لا يوجب العلم، والمتبع هو عموم التعليل، فيمنع عن انعقاد المفهوم.
وحاصل الجواب عنه: أن خبر غير الفاسق الذي تدل الآية على حجيته. حجة وطريق عند العقلاء أيضا، والعقلاء يعبرون عن جميع الطرق المعتبرة عندهم بالعلم، سواء في ذلك الظواهر وخبر الثقات وغيرهما، ويرون مفهوم العلم عاما للقطع الذي لا يحتمل الخلاف، ولموارد قيام الطرق المعتبرة، وإذا اعتبروا شيئا طريقا يرون قيام هذا الطريق على شئ وصولا إلى الواقع، لا بمعنى تنزيل شئ منزلة آخر، بل بمعنى واقع الوصول، كما في القطع حرفا بحرف، وحينئذ فالآية المباركة إذا القيت إليهم فهموا منها - بمقتضى الشرطية المذيلة بالتعليل المذكور -