نعم، لا شبهة في أنها قابلة للتخصيص، والحمل على خلاف الظاهر بالسنة الثابتة عن المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، ولذلك فهي مثل سائر الظواهر لا يجوز الرجوع إليها قبل الفحص عما يوجب حملها على خلاف ظاهرها في سائر الآيات والأخبار المعتبرة، فبدون الرجوع إلى الأخبار لا يجوز العمل بها، فضلا عن عدم الاعتناء بالسنة المعتبرة التي فيها قرينة على إرادة خلاف الظاهر، كما كان كذلك يفعله أمثال أبي حنيفة من العامة العمياء، وإليه ينظر ما عن الصدوق في العلل في ما رواه بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث فقال: أين أبو حنيفة؟
فقيل: هو ذا أصلحك الله، فقال: أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم، قال: فبما تفتيهم؟
قال: بكتاب الله وسنة نبيه. قال: يا أبا حنيفة، تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم، قال: يا أبا حنيفة، لقد ادعيت علما - ويلك - ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين انزل عليهم! - ويلك، ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا (صلى الله عليه وآله) ما ورثك الله من كتابه حرفا... الحديث.
فمثل هذا الحديث لم يرد في عدم حجية ظواهر الكتاب، بل في عدم جواز الاستقلال في الاستفادة منها من دون رجوع إليهم (عليهم السلام)، كما كان يفعله أبو حنيفة القائل في صدر هذا الحديث: " ما يعلم جعفر بن محمد؟! أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال وسمعت من أفواههم، وجعفر بن محمد صحفي أخذ العلم من الكتب " (1).
تنبيه: قد علم مما مر حال اختلاف القراءات، فإن القرآن - كما عرفت - واحد نزل من عند واحد، ولكن الاختلاف يجئ من قبل اختلاف الرواة، وعليه فالقراءات المختلفة ليس القرآن إلا إحداها، فإذا اتحدت مضامينها فلا كلام، وإلا كان من باب اشتباه الحجة باللا حجة، يؤخذ بالمتيقن منها لو كان، وإلا فليس شئ منها حجة على خصوص معناها، ولا يجري فيه العلاج المذكور في الأخبار العلاجية، فإنه أمر تعبدي يقتصر فيه على مورده من الأخبار المتعارضة، والله العالم.