القرينة الأولى: أنه قد جعل اتباع الظن أو غير العلم عديلا للخرص والتخمين، وأنه هو، فقال تعالى: * (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) * (1). وقال تعالى: * (وما يتبع الذين يدعون من دونه شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) * (2) وقال تعالى:
* (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون * وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) * (3). إلى غير ذلك من الآيات.
فقد حكم تعالى واحتج عليهم بأن أعمالهم وأقوالهم مبتنية على مجرد الخرص والمظنة، ليس لهم على ذلك علم وحجة، فلذلك لا اعتبار بقولهم ولا فعلهم، فهي شاهدة على أن المراد بعنوان الظن وعدم العلم هو ما كان عديلا للخرص، ولا يعم الحجج العقلائية أصلا.
القرينة الثانية: أنه تعالى في نفس هذه الآيات وغيرها في مقام الاحتجاج عليهم وإبطال اختلاقاتهم قد حكم واحتج عليهم بأنه لا سلطان لهم على ما يقولون، والسلطان هو ما يوجب السلطة والغلبة على الخصم إذا استعمل في مقام المحاجة، ومن الواضح أن نفي السلطان عنهم يستفاد منه أنه ليس بأيديهم ما يعدونه أنفسهم سلطانا، وليس لهم ما يرونه أنفسهم سلطانا، فلأنه الذي يوجب تمام الاحتجاج، ولا يراد به أنه لا يقبل سلطانهم ولو كان عندهم سلطان، بل لا سلطان لهم. وبالجملة: فتدل الآيات على أنه لو كان بيدهم سلطان لما قامت عليهم حجة.
فهذه الطريقة قرينة على أن المراد بغير العلم وبالظن هو ما لا يكون عند