فحديث تبعية الظن وغير العلم لا يراد منه إلا ما كانت تبعية للظنون والخيالات والأهواء، مما لا يكون مصداقا للبراهين العقلائية، دون ما كان من قبيل الأخذ بالظواهر وإخبار الثقات والبينات مما هو من أوثق البراهين.
فمن هذه الآيات: قوله تعالى: * (أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم) * (1)، وفي سورة النمل: * (أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * (2)، وفي سورة القصص: * (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون * ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم) * (3). وقوله تعالى في سورة البقرة: * (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * (4). ونظير هذه الآيات قوله تعالى في سورة المؤمنون: * (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له فإنما حسابه عند ربه) * (5).
فهذه الآيات دالة بالوضوح على أن ما كان عليه برهان فهو مقبول عند الله وسفرائه، وجرت سنة الله على قبوله، والبرهان هو الدليل الواضح كما يستفاد من اللغة، ومعلوم أنه ليس المراد به مصطلح أهل المنطق والمعقول، فإن القرآن نزل بلسان عربي مبين ليهتدي به الناس كافة، فيكون بلسانهم لا بلسان طائفة من علمائهم.
وهنا قرينة رابعة: هي ما مر من قوله تعالى في سورة الأنعام: * (إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون قل فلله الحجة البالغة) * (6)، فإن اختصاص الله تعالى بأن له الحجة البالغة دليل واضح على أن الظن أو الخرص إنما لا يعتنى به لأنه ليس فيهما أي حجة، فلو كان في البين حجة - وهي لا محالة - تبلغ إثبات المرام لما كان ريب في صحة الاستناد إليها.
وبالجملة: فالرجوع إلى الآيات الكريمة تهدينا إلى أنه لو كان للإنسان دليل