فلا ريب في جريان الاستصحاب فيه والحكم ببقاء هذا الحكم كما كان، ولزوم الإطاعة له والمشي على وفقه. وأما إذا شك في بقاء نفس ما يتعلق الاعتقاد به فلو كان اللازم في باب الاعتقاد به معنى يحصل مع عقد القلب بالموجود الاستصحابي كان الاستصحاب جاريا ومحققا لموضوع دليل وجوب الاعتقاد، بخلاف ما إذا كان اللازم خصوص القطع واليقين أو الأعم منه ومن الظن الحاصل بالأمارات المعتبرة، فإن الاستصحاب يقصر حينئذ عن إثبات المرام، ولا مجال معه لجريانه، وهو واضح.
ومما ينبغي التنبه له: أن الإيمان وإن كان أمرا قلبيا كما يهدي إليه قوله تعالى:
* (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) * (1) إلا أنه لا يلازم ان يكون متقوما باليقين مرادفا له، بل هو إعتراف وتسليم وخضوع قلبي، كما يرشد إليه قوله تعالى في الكافرين من فرعون وقومه: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) * (2) ففرعون الذي من أئمة الكفر المنادى بقوله: * (أنا ربكم الأعلى) * (3) قد وصف بأنه استيقن آيات الله، فمجرد اليقين ليس إيمانا قلبيا فلا محالة هو خضوع وقبول لما يؤمن به، وهو كمال نفساني يجتمع مع الاطمئنان وقيام الحجة أيضا.
وكيف كان فاستصحاب نبوة موسى (عليه السلام) - مثلا - لا مجال له أصلا، أما للمسلمين فلعلمهم بانتقاضها فلا يعمها عموم أدلة الاستصحاب.
وأما للكتابي فلأن على كل أحد أن يفحص عن صدق مدعى النبوة، وإذا تفحص عن صدق نبي الإسلام يحصل له القطع بصدقه، فلا يجوز الاستناد إلى الاستصحاب وغيره من الأصول قبل الفحص اللازم، وبالفحص يصير كأحد من المسلمين، ينقض يقينه السابق باليقين، فلا مجال للاستصحاب، لا قبل الفحص ولا بعده.