على أن الماء القليل ينجس بملاقاة النجس، كما أنه لو ثبت أنه لم يقع ملاقاة النجس للماء عند كونه قليلا كان لازمه - على مبنى القوم من جريان الاستصحاب في إثبات نفي الموضوعات - أنه لم ينجس من ناحية الملاقاة، فقال الشيخ الأعظم (قدس سره): بأن استصحاب القلة وعدم الكرية إلى زمان الملاقاة معارض لاستصحاب عدم تحقق الملاقاة إلى زمان حدوث الكرية، فيتساقطان بالمعارضة، إلا في مقام كان أحدهما فقط موضوع الأثر الشرعي دون الآخر، فيجري خصوص ما كان له الأثر بلا معارض ويترتب عليه أثره.
أقول: لا ريب في أن هنا زمانا يعلم فيه بوجود كلا الحادثين، ولما كان المفروض الجهل بتأريخ حدوثهما بالمرة فلا محالة يحتمل حدوث كليهما في نفس ذلك الزمان الذي علم بوجودهما فيه وإن احتمل تقدم كل عليه أيضا، وعليه فإذا كنا نشير إلى زمان حدوث كل منهما فلسنا في شك من حدوث الآخر بالنسبة إليه مطلقا، وإنما تكون شاكا لو كان حدوثه قبل هذا الزمان الذي كان جود كليهما فيه متيقنا، فلا يمكن دعوى جريان الاستصحاب في نفي حدوث الآخر أو بقاء ضده إلى زمان حدوث ذاك الحادث، لعدم الشك في أن هذا الآخر كان موجودا لو كان حدوث ذاك الحادث في نفس زمان العلم بوجودهما، فلا يثبت الاستصحاب في شئ منهما بقاء عدمه أو بقاء ضده إلى زمان حدوث الآخر مطلقا، سواء كان كلا المتيقنين ذا حكم شرعي، أو أحدهما دون الآخر، وذلك أن هذا الزمان زمان اليقين بالخلاف، وليس فيه شك حتى يكون رفع اليد فيه عن الحالة السابقة نقضا لليقين بالشك فلا يكون جائزا، فشئ من الاستصحابين لا يجري، لا أنهما يجريان ويسقطان بالمعارضة.
نعم، إذا كان واحد من الحادثين المجهولي التأريخ له قدر متيقن في زمان وجوده قبل الزمان القدر المتيقن للآخر، كأن علم بأن الملاقاة كانت حاصلة رأس الساعة الثامنة، واحتمل في الكرية إن كان حدوثها في الساعة التاسعة - مثلا - وإن احتمل في كليهما أن يكون حدوثهما قبل الساعتين أيضا ففيه يجري استصحاب