فصل كان ابتداء زمان شكه، بداهة أنه لو كان على يقين من شئ ثم حصل له يقين آخر بضده ثم عرض له شك في وجود هذا الشئ وعدمه فلا مجال لإجراء الاستصحاب في ذلك الشئ، فإن اليقين به قد انتقض بيقين آخر فاصل بين اليقين به والشك فيه، بل إنما يجري هنا استصحاب عدمه الذي تيقن به في زمان حصول اليقين بضده، وهذا اليقين بالعدم متصل بزمان الشك فيه، فاعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين بالمعنى الذي شرحناه معتبر في موضوع دليل الاستصحاب وشرط لجريانه.
ومن ناحية أخرى أن المكلف إذا كان على علم بأنه كان حين حدوث كل من الحالتين المتعاقبتين المتضادتين على التفات وتوجه إلى حال نفسه فهو إذا غسل ثوبه بالماء الطاهر كان ملتفتا إلى طهارة ثوبه، وإذا أصابه نجس التفت إلى نجاسته. كما أنه إذا توضأ كان متيقنا لالتفاته بطهارته، وإذا جاء من الغائط أو قام عن النوم كان متيقنا بحدثه فلا محالة كان على يقين محض بحال نفسه في ذلك الزمان، بحيث لو لم يعرض له بعده غفلة ونسيان لكان عالما بحالته الفعلية، وعليه فلو كان حدوث الحدث قبل الطهارة لكان قد انتقض اليقين به باليقين بالطهارة، كما أنه لو كان التوضؤ قبل الحدث فقد انتقض باليقين بخلافه.
وحينئذ فإذا عرض له نسيان بتفصيل الحال واحتمل التقدم والتأخر في كل منهما فهو وإن كان الآن متيقنا بحدوث ووجود كل من الحادثين إلا أنه يحتمل في كل منهما أن يكون قد تعقبه اليقين بالخلاف، أي يكون قد انتقض اليقين به بيقين آخر بخلافه، ومع هذا الاحتمال فكون شكه موضوعا لقوله (عليه السلام): " لا ينقض اليقين بالشك " غير معلوم فهو شبهة مصداقية للعام، ومن الواضح عدم جواز الاستدلال به فيها، بل كما أنه إذا تيقن بأنه كان على التفات بتفصيل حاله ثم عرضه النسيان لا يكون أدلة الاستصحاب حجة كذلك إذا احتمل التفاته حين ذاك فلا محالة يحتمل انتقاض يقينه بكل من الحادثين باليقين بالخلاف، فانطباق موضوع دليل الاستصحاب مشكوك، وليس العام في شبهته المصداقية بحجة.