لصرفه عن ظاهره إلى أن المراد به النقض العملي، بل نأخذ بظاهره ونحكم بأن مفاده التعبد ببقاء نفس اليقين، وحيث إن الظاهر من اليقين أنه طريق إلى المتعلق فيكون مآل التعبد ببقائه أن متعلقه - أعني المتيقن به - موجود باق في زمان الشك، فتمام التعبد الشرعي إنما هو أن المتيقن السابق باق عند الشك.
والتعبد ببقاء المتيقن أمر صحيح معقول من الشارع المقنن. أما في ما كان المتيقن حكما وقانونا فواضح، فإنه لا يتوقع من الشارع إلا جعل الحكم وبيان الوظيفة، وبالاستصحاب يتعبد ببقاء القانون والوظيفة. وأما في ما كان موضوعا فالتعبد به صحيح، مثل التعبد بأن الطواف بالبيت صلاة، فإن من الأمور الشائعة من المقننين أن يفسروا موضوعا في محيط قانونهم، ونتيجته أن القوانين المجعولة على عنوان هذا الموضوع تعمه في دائرة هذا التفسير.
وبالجملة فتفسير الموضوع أمر معقول إذا كان من المقنن وبلحاظ محيط القانون، ولا حاجة إلى إرجاعه إلى ترتيب الأحكام المجعولة على ذاك العنوان، بل إن ثمرة التفسير أن يعمه أدلة الأحكام المتعلقة على هذا العنوان، فتدل تلك الأدلة على ثبوت هذه الأحكام له بسعة تفسيره له.
فالمقصود أن الاستصحاب لا يقتضي إلا أن في محيط القانون ومحدودة الشرع المتيقن السابق باق وموجود في زمان الشك تعبدا، وبنفس التعبد بوجوده يختتم وينتهي رسالة قاعدة الاستصحاب.
ثم إنه إذا كان المتيقن حكما يكون التعبد به تعيينا لوظيفة المكلف، وإذا كان موضوعا فلا محالة يعمه الدليل الدال على ترتب الحكم عليه، ويثبت بذلك الدليل تعلق ذلك الحكم به.
وحيث إن تمام مفاد أدلة الاستصحاب وكله ليس إلا التعبد بأن المتيقن باق وموجود في زمان الشك فلا مجال لتوهم ترتب الآثار الشرعية المترتبة على لوازم المستصحب أو ملازماته أو ملزوماتها به، فإن ثبوتها فرع إحراز موضوعها، وهو غير محرز لا وجدانا ولا تعبدا، فإن التعبد إنما هو بنفس المتيقن لا غير،