وثانيا: أنا إذا احتملنا أن يكون موضوع الحكم المنشأ في الشريعة السابقة عنوان تابعي تلك الشرعية كاليهود والنصارى أو عنوان من كان مكلفا عند بقاء تلك الشريعة فلا محالة هذا الموضوع الكلي لا يعم المسلمين، فلا يجدي استصحاب بقاء تلك القضية الكلية الحقيقية لإثبات محمولها على المسلمين، إلا إذا علم بأن موضوعها ليس شيئا من العنوانين، بل هو معنى عام كعنوان " الناس " بلا أي قيد، وإلا فمع احتمال أحد القيدين فلا حجة على ثبوت حكمه لمن ليس تابعا لتلك الشريعة، ولا واجدا لشرائط التكليف قبل نسخها.
وأما ما أجاب به الشيخ الأعظم (قدس سره) من أن الاستصحاب يجري في مدرك الشريعتين، فهو أمر متين في نفسه، فإن المكلف إذا كان مدركا لتلك الشريعة فقد صار حكمها عليه فعليا، فإذا شك في ارتفاعه يحكم الاستصحاب ببقائه، فإن كان مراد الشيخ (قدس سره) إثبات إيجاب جزئي من استصحاب أحكام الشريعة السابقة في قبال السلب الكلي لم يرد عليه شئ، وأما إن أراد بذلك الاستصحاب إثبات هذا الحكم المستصحب لغير هذا المدرك الشاك أيضا فهو مما لا يمكننا تصديقه، لأن الاستصحاب موضوعه خصوص الشاك، ولا دليل على اشتراك الحكم الثابت على عنوان الشاك المتيقن سابقا بالحكم لغيره، كما لا يخفى.
الثاني من الموانع: أن الشريعة السابقة قد نسخت وعلم بارتفاع أحكامها فاختل ركن الاستصحاب، أعني الشك اللاحق، وأجيب عنه بأن المنسوخ إنما هو أصل الشريعة، لا جميع أحكامها، فما احتمل بقاؤه منها يحكم عليه بالبقاء بحكم الاستصحاب.
أقول: ولا يبعد أن يقال: إن حقيقة الأحكام الإلهية في كل شريعة وإن كانت أنها قوانين مجعولة إلا أن لكل شريعة مستقلة قوانين يخصها، ولها وجود اعتباري مخصوص بها، فإذا كانت شريعة الإسلام شريعة مستقلة فأحكامها أحكام مجعولة لها، غاية الأمر أن يكون بعضها مماثلا لأحكام غيره من الشرائع الماضية، فنسخ شرع عيسى - على نبينا وآله وعليه السلام - عبارة أخرى عن