والأمارات التي قد عرفت أنها في عرض القطع طريق معتبر للكشف الواقع، ولا محالة ينكشف بها جميع اللوازم والملزومات والملازمات التي تكون لما قامت عليه، وهذا الكشف يكون حجة وطريقا عقلائيا أمضاه الشارع أيضا، فأين هذا مما لا خبر ولا أثر فيه من الطريقية العقلائية؟ وإنما فيه تعبد محض ببقاء أمر كان على يقين منه، وليس لازمه إلا بقاء نفسه لاختصاص التعبد به، وثمرته شمول الأدلة الاجتهادية التي علق فيها الأحكام الشرعية على عنوان المتيقن له، كما عرفت تفصيله، والله العاصم والهادي إلى سواء السبيل.
بقي الكلام في موارد استثنوها عن عدم حجية الأصل المثبت.
الأول: خفاء الواسطة، والمراد به على مبنى القوم من اقتضاء نفس الاستصحاب: التعبد بأحكام المستصحب أنه إذا كان الواسطة بحد من الخفاء يرى العرف الحكم المترتب عليها بالدقة مرتبا على ذيها، فاستصحاب ذيها كاف في التعبد بهذا الحكم، والوجه فيه: أن مثله مشمول للقدر المتيقن المراد من الآثار المتعبد بها، وحينئذ فصح تقريره بما عن المحقق الخراساني (قدس سره) من أن مفاد الأخبار عرفا يعمه حقيقة.
لكنك عرفت أن الاستصحاب لا يقتضي سوى التعبد ببقاء المستصحب حكما كان أو موضوعا، وانطباق الأدلة على الموضوع يبين حكمه، وعليه فلا يجري التقرير المذكور، ويكون تمام المعيار انطباق موضوع الدليل الاجتهادي وشموله لما استصحب، فلو فهم من موضوعه معنى يعم ذا الواسطة أيضا لثبت حكم الواسطة عليه وإلا فلا، وبالجملة: فتمام الملاك شمول موضوع ذاك الدليل بماله من المفهوم العرفي.
الثاني: ما إذا كانت الواسطة جلية، إلا أن الواسطة وذا الواسطة كانتا متلازمتين بحيث لا تفكيك بينهما، لا بحسب الواقع ولا في الأحكام الظاهرية، فإذا جرى الاستصحاب في أحدهما وتعبد الشرع بحكمه علمنا بموجب تلك الملازمة بأنه تعبدنا بحكم الآخر أيضا.