متعارضين، وذلك أن استصحاب الوجوب إنما يثبت الوجوب المطلق المتعلق بنفس طبيعة الجلوس، واستصحاب العدم إنما يثبت عدم وجوب الجلوس المقيد بما بعد الزوال، ولا منافاة بين عدم وجوب المقيد بما بعد الزوال وثبوت وجوب المطلق، فإن أحدهما غير الآخر فلا يتعارضان.
قال (قدس سره) هنا ما لفظه: فاستصحاب الوجوب ليس له معارض، فإن مقتضى استصحاب عدم وجوب الجلوس المقيد بالزمان الخاص أن هذا المقيد ليس موردا للوجوب على نحو لوحظ الزمان قيدا، ولا ينافي وجوب الجلوس في ذلك الزمان الخاص على نحو لوحظ الزمان ظرفا للوجوب (1). انتهى.
وفيه: ما عرفت من: أن الزمان في الاستصحاب العدمي أيضا مأخوذ بنحو الظرفية، فكلا الاستصحابين يردان على الوجوب المتعلق بالجلوس الذي يكون الزمان الخاص ظرفا له: أحدهما يثبته، والآخر ينفيه، ويقع بينهما التعارض الموجب للتساقط.
ومنه تعرف النظر في الجواب الذي اختاره سيدنا الأستاذ (قدس سره) في رسائله وعده تكميلا لما في درر أستاذه (قدس سرهما). وفي الحقيقة مختاره تلفيق من جواب الشيخ الأعظم وشيخه الأستاذ (قدس سرهم)، وأنت بعد الإحاطة بما في جوابيهما تظفر بالضعف الذي في مختاره من الجواب، فراجع.
وتحقيق المقال في الجواب يقتضي طورا آخر من الكلام، وبيانه بنحو يرتفع غشاوة الإبهامات بذكر أمور:
أحدها: أن الأحكام الشرعية تكون في صورة القضايا الحقيقية التي تكون فعلية المحمول فيها متوقفة على الوجود الفعلي للموضوع، فقوله تعالى: * (لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (2) قد أنشأ وأوجب الحج على كل مستطيع، كما أن قول القائل: " كل نار حارة " إخبار باتصاف كل نار بالحرارة،