وكما أن فعلية الحرارة موقوفة على وجود النار فعليا فهكذا فعلية الوجوب مرهونة فعلية عنوان المستطيع، فما لم يكن المكلف مستطيعا لم يكن الحج واجبا عليه، إلا أنه مع ذلك فلا ينبغي الريب في أن من جملة الأحكام الإسلامية أن الحج واجب على كل مستطيع في صورة قضية حقيقية لا يتوقف صدقها على فعلية الاستطاعة حتى لواحد من المكلفين، ومن هذه الجهة نقول: إن وجود القانون الإلهي مثل وجوب الحج على المستطيع لا يتوقف على فعلية موضوعه، فالأحكام والقوانين الكلية موجودة ولو قبل فعلية موضوعاتها. نعم، إن فعلية الأحكام كفعلية وجوب الحج متوقفة على فعلية موضوعاتها، فمن لم يكن مستطيعا لا يجب الحج عليه، وإذا صار هو مستطيعا وجب عليه الحج وجوبا فعليا.
ثانيها: أن تعدد الأحكام الكلية وتميز كل منها وتشخصها عن غيره كما يكون باختلاف متعلقها، فوجوب الحج غير وجوب الصلاة، وهما غير حرمة شرب الخمر، فهكذا قد يكون بمجرد اختلاف الظروف والحالات التي لا شأن لها إلا أنها ظرف لتحقق الحكم والموضوع، فيصح أن ينشأ ويقال: إذا كنت مريضا يجب عليك شرب الدواء، وإذا كنت صحيحا لا يجب، فزمان المرض والصحة وحالتهما لا شأن له، إلا أن طبيعة شرب الدواء صارت واجبة في أحدهما دون الآخر، فما تعلق به الوجوب وعدم الوجوب نفس هذه الطبيعة من دون أي قيد، والزمان لا شأن له إلا أنه ظرف لإنشاء الحكمين المختلفين. نعم، لا نضايق من أن تكون كل من الحالتين هي الدخيلة في صيرورة طبيعة الشرب ذات مصلحة أو بلا مصلحة، بل ربما يقال غير ذلك، إلا أن الذي نقول: هو أن الواجب على المكلف في زمان المرض هو " شرب الدواء " بلا قيد، فهكذا يعتبرونه العقلاء والعرف الذين هم المرجع والمخاطب في الخطابات الشرعية، وإن كان الأمر بحسب نظر العقل أن الحيثيات التعليلية عناوين لموضوعات أحكامه، لكنه لا ريب في أن المعمول عليه عند العرف والعقلاء أن متعلق الأحكام نفس الطبيعة، وشأن الأزمنة