ذلك الزمان قطعا، ونشك بانتقاض هذه القضية الكلية ونحكم بمقتضى قاعدة الاستصحاب ببقائها على ما كانت، وأن الجلوس ليس بواجب بعد زوال الجمعة، فهذا الاستصحاب يقتضي عدم وجوب الجلوس بعد الزوال، وقد كان ذاك الاستصحاب يقتضي وجوبه، فيتعارضان بالنفي والإثبات، ويتساقطان، ويجب الرجوع إلى الأصول الاخر.
وبعد التأمل في البيان المذكور تقدر على دفع جميع الاشكالات الموردة عليه.
فمنها: ما عن الشيخ الأعظم (قدس سره) من أنه بعد ما كان المفروض تعلق الوجوب بطبيعة الجلوس - مثل - وكان مقتضى الاستصحاب بقاءه بعد مضي زمن اليقين فدليل وجوبه منضما إلى الاستصحاب يعطي وجوبه بعد الزوال، ومعه لا يبقى محل لاستصحاب عدم الوجوب.
فإنه يرد عليه: أن الذي أفاده إنما هو تقرير الاستصحاب الوجودي، ولم يذكر أي وجه لعدم جريان ذاك الاستصحاب العدمي، فبالبيان الذي بيناه يجري الاستصحاب العدمي أيضا، ويقع بينهما التعارض المقتضي لتساقط كليهما.
ومنها: ما لعل إليه نظر الكفاية من أن استصحاب الوجوب مبني على أخذ الموضوع في الاستصحاب من العرف، واستصحاب العدم مبني على أخذه من لسان الدليل أو العقل، وحيث إن المعيار هو نظر العرف فلا مجال إلا للاستصحاب الوجودي.
وفيه: أن الاستصحاب العدمي أيضا يجري بناء على اتباع نظر العرف، لما عرفت من أن العرف أيضا يرى أن الموضوع الذي نفي عنه الوجوب هو نفس طبيعة الجلوس بلا أي قيد، وزمان ما بعد الزوال قد اخذ بصورة الظرف للحكم وموضوعه، لا في قالب وصف لأحدهما، فالعرف والعقل والدليل متطابقة على أن الحكم - لو كان مجعولا وثابتا في الواقع - يكون متعلقا بنفس الطبيعة، لكنه مسبوق بالعدم قبل تشريع الشريعة، ويشك في بقائه، فلا ينقض اليقين بانتفائه