كذلك، فإن العقود والإيقاعات وآثارهما المترتبة عليهما التي هي موضوع الأحكام التكليفية المختلفة أمور جعلية قانونية اعتبارية، فالبيع والملكية والنكاح والزوجية كالعتق والحرية - مثلا - كلها أمور اعتبارية من الوضعيات لا ينبغي الشك فيها ولا ارتياب.
والشاهد على وجود هذه الاعتباريات إنما هو الوجدان، فإنه أحسن شاهد في هذا الميدان.
وقد ظهر أن مثل الملكية ليس أمرا موجودا خارجيا حقيقيا، فلا يصح عده من المقولات المنحصرة عند القوم في العشرة، مقولة الجواهر والتسع العرضية، بل هي أمر اعتباري قوام تحققه باعتبار من بيده الاعتبار من الشارع والعقلاء، وأما إنشاء الاشخاص فلا شأن له إلا إيجاد موضوع محكوم عليه عند العقلاء والشرع بأحكام وضعية، فبعد استعمال الألفاظ - مثلا - في إنشاء البيع - مثلا - يحكم العقلاء بتحقق معاهدة بيعية، وهي أمر اعتباري، وبتحققها يحكم العقلاء والشارع بملكية كل من العوضين لمن كان يملك الآخر عوضا عنه، والملكية أيضا أمر اعتباري وموضوع للأحكام التكليفية الخاصة المترتبة عليه، فما يظهر من بعض الكلمات من أن المتعاقدين يحققان الملكية ويعتبرانها كلام لم يقع في محله.
وكيف كان فدليل اعتبار قاعدة الاستصحاب موضوعه اليقين والشك، وأنه لا ينقض اليقين بالشك، وهو مطلق جار في كل يقين وشك، سواء تعلق بالأمور الخارجية أو الانتزاعية أو الجعلية الاعتبارية، فكل متيقن شك فيه يحكم ببقائه بشرط أن يكون الحكم ببقائه مما يحل مشكلة مقام العمل للمكلف، فإذا كان المتيقن حكما تكليفيا فمن المعلوم أن الحكم ببقائه لا معنى له إلا الحكم في الزمان الثاني، وهو زمان الشك، بأن هذا الحكم التكليفي ثابت عينا، ففيه حل مشكلة وظيفة المكلف. وإذا كان موضوعا للحكم التكليفي فالحكم ببقائه يستلزم الحكم بترتب ذاك الحكم التكليفي عليه ففيه أيضا حل مشكلة العمل، وكيفية هذا الاستلزام وبيانه بعهدة ما سيأتي.