لكن لقائل أن يقول: إن الرواية وإن كانت كالصريحة في جواز الاعتماد والعمل على الوضوء المتيقن ما لم يستيقن الحدث إلا أنها ليس فيها ما يدل على أن سر هذا الاعتماد هو الحكم بالبقاء، فلعل نفس الشك مجوزة هنا للدخول في الأعمال التي لا يجوز الدخول فيها بلا طهارة، وإن كان احتمالا بعيدا لكنه لا دافع له بحسب الظاهر، فلا حجة فيها أيضا على اعتبار الاستصحاب ولو في خصوص موردها.
ومنها: موثقة عمار الساباطي المروية في التهذيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في حديث طويل ": " كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك " (1). فقد استدل بها لاعتبار جريان الاستصحاب في الطهارة الخبثية.
وقال الشيخ الأعظم (قدس سره) ما حاصله: إن دلالتها على الاستصحاب مبنية على أن يكون المراد: كل شئ طاهر طاهر إلى أن يعلم قذارته، حتى يكون المفروض اتصاف الموضوع بالطهارة الواقعية، فيحكم ببقائها إلى أن يعلم خلافها، لكنه خلاف الظاهر، فإن ظاهرها إثبات الطهارة على ذات الموضوع إلى أن يعلم خلافها، وهو مفاد قاعدة الطهارة. كما أن الجمع بينهما في استعمال واحد من مثل العبارة ممتنع، لاقتضائه الجمع بين تقييد الموضوع وعدم تقييده، وهو جمع بين النقيضين، اللهم إلا باستعمال اللفظ في أكثر من معنى، وهو غير جائز قطعا.
وقال المحقق الخراساني (قدس سره) - في تعليقته على رسائل الشيخ - بإمكان الجمع بينهما بلا لزوم محذور، بل يجمع بينهما وبين الدلالة على طهارة الأشياء واقعا، وذلك أن عموم صدر الموثقة والمغيى - أعني قوله: " كل شئ نظيف " - يدل على أن ذوات الأشياء كالماء والتراب والأشجار وغيرها طاهر ونظيف واقعا، وهي طهارة واقعية، كما أنه بإطلاقه الأحوالي الشامل لمشكوك الطهارة يدل على أن