والمفسرية تظهر بالتأمل، ويترتب عليه تقدم هذا الشارح على ذاك الدليل، ويكون حاكما عليه.
فكما أن في القسم الأول لو لم يكن الدليل المحكوم لما كان مجال للتعبير بتلك التعبيرات، فهكذا في هذا القسم الثاني أيضا لو لم يكن حكم في الشريعة على موضوع الشك لما كان مجال للتعبير بأنه لا شك للإمام، كما لا يخفى، فجعل الحكم على الشك مثل أن قيل: " إذا شككت فابن على الأكثر " هو المصحح للتعبير بقوله: " لا شك للإمام مع حفظ المأموم ". هذا.
وثالثة: لا تظهر هذه النظارة حتى بعد التأمل في مجرد مفاد الدليل الحاكم، لاشتماله على مفاد ومعنى يجتمع مع أن لا يكون هنا دليل محكوم أصلا، وهذا كما في قوله تعالى: " ما جعل عليكم في الدين من حرج " وقوله (صلى الله عليه وآله) هنا: " لا ضرر ولا ضرار " فإن الحديث - كما مر بيانه - إنما يدل بالمطابقة على أن الضرر منفي ومعدوم في محيط العمل بالأحكام الشرعية، وبالالتزام على أنه تعالى لم يرخص لأحد في إضرار غيره، ولم يكلف أحدا بما يوجب عليه الضرر، وهذا المعنى أمر تام بنفسه لا يتوقف على جعل حكم عام أو مطلق - مثلا - لكي يكون هذا الحديث في مقام شرحه وتفسيره، ومثله الكلام في الآية المباركة، لكنا إذا راجعنا الأدلة الشرعية المتكفلة لجعل التكليف على عناوين الافعال وجدنا جميعها شاملة للموارد الضررية وغيرها، وحينئذ إذا لاحظنا قوله: " لا ضرر ولا ضرار " استظهرنا منه أنه لم يكن مجرد دلالة على انتفاء الأحكام الضررية فحسب، بل أنه كان بصدد التوضيح والشرح لتلك الإطلاقات أيضا، فشارحيته ومفسريته إنما تظهر بعد جعل الحديث جنب تلك الإطلاقات. وكيف كان فهنا أيضا مرتبة من الشارحية والمفسرية وهي وإن لم تكن مثل ذينك القسمين في الوضوح إلا أن جميعها مشترك في كونها حكومة وشرحا.
وهذا هو تقرير كلام الشيخ بحيث لا يرد عليه شئ مما في كلمات العلامة الميرزا النائيني (قدس سره) أو غيره، وهو دعوى غير بعيدة. هذا.