لا ريب في الأمر الوجوبي به، فلا محالة مسألة خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء وما تفرعت عليها مختصة بالتكاليف التحريمية هذا.
بقي هنا حكم الشك في الخروج عن محل الابتلاء، وعدمه.
فنقول: إذا شك فيه فهل اللازم الرجوع إلى الأصول العملية أو الرجوع إلى الإطلاقات؟ وعلى الأول فهل الأصل الجاري هنا أصالة البراءة أو الاشتغال؟
والحق: أنه لا مجال للرجوع إلى الإطلاقات لرفع الشك. أما بناء على ما اخترناه من بقاء التكاليف على فعليتها حتى في موارد الخروج عن الابتلاء فواضح، فإن وجود التكليف الفعلي لا يغني شيئا، ولا يمنع عن الرجوع إلى أصالة البراءة، فلا فائدة من هذه الجهة في الرجوع إلى الإطلاقات. وأما بناء على مبنى القوم من ارتفاع الفعلية أو التنجز عن التكاليف في موارد الخروج عن محل الابتلاء فكذلك أيضا.
وذلك أن القوم معترفون ببقاء التكليف عند الجهل به شبهة موضوعية أو حكمية، فإن الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل بالإجماع، وأدلة الأصول - ولا سيما في الشبهات الموضوعية - دالة على هذا الاشتراك دلالة واضحة. ومن المعلوم أن الحكم الذي تضمنته أدلة الأحكام هو الثابت في موارد الجهل، فإن من البين أن الحرمة التي تدل عليها آية تحريم الخمر في قوله تعالى: " حرمت عليكم الخمر " - مثلا - إنما هي معنى قابل لتعلق العلم بها بالعثور على الآية المباركة وانفهام معناها، كما أنه قابل لأن يكون مجهولا بعدم العثور على مثلها.
وبالجملة: فالأحكام التي تدل عليها أدلة الأحكام معان ثابتة في مرحلة الجهل أيضا يتعلق بها العلم تارة دون أخرى. ثم إن من المعلوم أن حالة الجهل مثل حالة الخروج عن محل الابتلاء لا يمكن توجيه خطاب فعلي إلى خصوص الجاهل مع حفظ جهله، فإن حفظ جهله مانع عن الانبعاث بالبعث والانزجار بالزجر، فلا يمكن داعوية التكليف له، فالجهل والخروج عن محل الابتلاء مشتركان في عدم إمكان توجيه البعث أو الزجر الفعلي نحو المكلف مع حفظ