ومنه تعرف عدم سداد الوجه المذكور للبراءة المبتنى على عدم فعلية التكليف في الخارج عن محل الابتلاء.
إلا أنه يمكن توجيه الرجوع إلى أدلة البراءة بوجوه ثلاثة:
أحدها: أن يقال: إن أدلة الحل والبراءة الجارية في الشبهات الموضوعية التي تكون مسألة الخروج عن محل الابتلاء متصورة فيها لا تعم الأطراف الخارجة عن محل الابتلاء، فإن قوله (عليه السلام) فيها: " هو لك حلال " لاشتماله على لفظة " لك " يوجب ظهوره في المشتبه الذي تحت يد المكلف وبين يديه، فلا يجري إلا فيه فلا يلزم من جريانه التعارض المسقط لها عن الحجية، بل المعروف عن المشايخ (قدس سرهم) أن جعل الأحكام الظاهرية مطلقا لا معنى ولا مورد له إلا في خصوص ما كان موردا لعمل المكلف بحيث يسند عمله إليها، وإن كان لنا في هذا الإطلاق معهم كلام ربما نتعرض له إذا أذن الله تعالى.
ثانيها: أن يقال: إنه لا ريب في عموم أدلة البراءة لجميع أطراف العلم الإجمالي أيضا، كما مر بك تفصيله، وإنما منع عنها أنه إذن في المعصية وما إليه يؤول، كما أفاده القوم، أو الأخبار الخاصة الدالة على وجوب الاحتياط، كما اخترناه، ولم يعلم حكم العقلاء بتنجز التكليف هنا، ولا شمول الأخبار المذكورة لموارد الخروج عن محل الابتلاء، فلم يقم حجة على تخصيص أدلة البراءة أو تقييدها، فإطلاقها أو عمومها حجة معتبرة هنا.
ثالثها: أن يقال: لو سلم أن مقتضى القاعدة هو الاحتياط إلا أن هنا أخبارا خاصة تدل على عدم وجوبه في خصوص الطرف الذي يبتلى به المكلف، ففي صحيحة أبي عبيدة - المروية عن الكافي والتهذيب - عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:
سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة، وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم؟ قال: فقال: " ما الإبل إلا