الحكم فلا محالة يشمل الدليل الأمر المتقدم قبل المتأخر، كما عرفت في الصورة الأولى، وأما المجتمعان في الوجود المختلفان في الرتبة فهما مشمولان لدليل الحكم في عرض واحد.
بل الوجه الوجيه لتقدم الأصل السببي في الغالب: أن الأصل السببي ينقح موضوع الأمارة، ومدلول الأمارة والدليل بعمومه أو إطلاقه ينطبق على ذاك الموضوع المنقح، فيرفع الشك عن حكمه، ولذلك تكون تلك الأمارة حاكمة على الأصل الحكمي الجاري في المسبب، مثلا: إذا غسل المتنجس بماء مشكوك الطهارة فقاعدة الطهارة تجري في الماء، ويحكم عليه بأنه طاهر، ثم إن عموم أو إطلاق الدليل الدال على أن الماء الطاهر يطهر ما يغسل به ينطبق عليه، ويرفع الشك عن نجاسة المتنجس المغسول به، وهذا - في الحقيقة - من تقدم الأمارة على الأصل، غاية الأمر ببركة الأصل السببي (1).
وهذا الملاك لا يجري ولا يفيد لما نحن فيه:
أما أولا: فلأنه مختص بما إذا كان الأصل السببي جاريا، وهاهنا يوجب العلم الإجمالي بالتكليف تنجز التكليف المعلوم إجمالا الموجود في أحد الطرفين، ويمنع عن جريان أصالة الطهارة، فأصالة الطهارة لو فرض أنها حاكمة إلا أنها لا تجري أصلا، والعلم الإجمالي المذكور كما يمنع عن جريانها - فلا تجري في نفس الطرفين - كذلك يمنع جريانها في الملاقي - بالكسر - أيضا بعد أن كان هو أيضا من أطراف العلم الإجمالي كما عرفت.
وأما ثانيا: فلأنه لو كان هنا حكومة وتنقيح موضوع فإنما هو للأصل الذي يثبت النجاسة، إذ فيه أمكن أن يقال: إن الشارع قد حكم على كل نجس بأنه