أنها خلاف الظاهر، كما مر بيانه.
إلا أنه لو سلم شمول الموصول للأحكام لكان مفاد الآية: أنه تعالى لا يكلف إلا بتكليف أعلمه المكلفين، وحينئذ فيعارض أدلة إيجاب الاحتياط، لو كانت، فإنه حيث إن معنى إيجاب الاحتياط هو أن يعاقب المكلف على التكليف الواقعي فكان لازمه تكليف المكلف بالتكليف الواقعي الذي لم يعلمه الله به، فعد هذه الآية من قبيل قاعدة قبح العقاب بلا بيان ناش عن الغفلة. نعم، هو صحيح في آية نفي التعذيب السابقة، كما عرفت.
ومن هذه الآيات: قوله تعالى: * (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) * (1) بناء على إرادة الأعم من المحرمات والواجبات من الموصول، لا خصوص المحرمات، كما ورد في خبر حمزة بن الطيار وعبد الأعلى.
لكن فيه: أن الضلالة ليست من مصاديق العذاب بمصطلح القرآن، فإن المراد منه: إما مثل الإهلاك والتدمير والغرق وأمثالها من المجازاة الدنيوية، وإما العقاب الأخروي، والضلالة ليست منها أصلا، إلا أنها وقوع في سبيل الانحراف بالمرة عن طريق الهدى، وسبب للعذاب الدائم، إلا أن يرحمه الله فيهديه، وحينئذ فاشتراطها بالبيان لا يدل على أن العقاب على مخالفة أي تكليف مجهول أيضا مشروط به.
ومنها: قوله تعالى: * (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) * (2).
ولعل الاستدلال به مبني على كون المراد بالبينة: وضوح المطلب وتبينه، فيدل على أن سنته تعالى جرت بأن يكون كل من الحياة والهلاك المعنويتين بعد وضوح الأمر.
لكن فيه أولا: أن البينة لعلها مساوقة للحجة، فتعم حكم العقل - مثلا -