وثالثا: أن الإسناد الصريح في الحديث وقع إلى التسعة بقوله (صلى الله عليه وآله): " رفع عن أمتي تسعة "، فلو سلم أن الإسناد الرفع إلى الحكم حقيقة فلا ريب أن إسناده إلى الموصولات الاخر - بمبناهم - مجاز عقلي، فلو لم يكن جامع بين الإسنادين لزم المحذور المذكور، والذي يسهل الخطب أن الجمع بينهما لا محذور فيه وإن كان الأمر في الحقيقة والمجاز على عكس مبناهم، كما سيظهر إن شاء الله تعالى.
وقد يتوهم اختصاص الرفع في " ما لا يعلمون " بالشبهة الموضوعية من جهة أخرى، بيانها: أن مقتضى التعبير برفع شئ عن شخص أو أشخاص أن هذا الشئ المرفوع فيه ثقل عليهم، وفي موارد التكاليف الإلزامية يتصور الثقل في أمرين ومن جهتين، فإن نفس التكليف الإلزامي وجوبا كان أم تحريما ثقيل على المكلفين، والمكلف به أيضا من الفعل أو الترك ثقيل عليهم، لإلزامهم بامتثاله والعمل بمقتضاه. كما أنه إذا خالف المكلف هذا التكليف الإلزامي فالمخالفة المتحققة أيضا ثقيل عليه، لاستلزامها المؤاخذة الأخروية، بل الدنيوية أيضا أحيانا، في مثل الحدود والتعزيرات، واستلزامها أيضا بطلان الأعمال وأمثال ذلك، وعليه فيصح التعبير بالرفع لرفع التكليف أو المكلف به عنهم، كما يصح التعبير به لرفع المخالفة الموجودة عن عهدته وعاتقه.
إذا عرفت هذا نقول: إن التأمل في الحديث يعطي أن الرفع في الحديث أريد به رفع المخالفة عن عاتق المكلفين، وذلك أن مصداق ما يكرهون عليه، أو يضطرون إليه هو شرب الخمر، أو أكل الميتة مثلا، وهو مصداق مخالفة التكليف التحريمي. كما أن الخطأ والنسيان أيضا لو أريد بهما ما يقع عن خطأ أو نسيان - كما هو الأظهر - مصداقان لمخالفة الوظيفة، ولو أريد بهما نفس الخطأ والنسيان كانا موجبين لتلك المخالفة، وسببا لها، فثقلهما من قبيل ثقل المخالفة والعصيان، وهكذا الحسد والطيرة والوسوسة المذكورة من قبيل المخالفة المذكورة.
وعليه فالرفع المذكور في الحديث رفع الأثقال التي من قبيل الذنوب والمعاصي، لا من قبيل الوظائف والتكاليف وحينئذ فوحدة السياق تقتضي أن