هذا التبليغ والبيان هو تمام الموضوع لجواز التعذيب، فإنه لا ريب في أن مجرد بعث الرسول إذا لم يبين أحكامه تعالى وطلباته فليس مجوزا للعذاب. وبالجملة:
فالآية الشريفة تأكيد لهذه القاعدة العقلائية، ودلالتها تامة.
وما في كلمات الشيخ الأعظم (قدس سره) من اختصاصها بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة، فيه: أنه خلاف ظاهر هذا التركيب الظاهر في الحكاية عن سنة إلهية في باب تعذيب العاصين.
كما أن ما في كلماته وكلمات الكفاية من: أن غاية مفاده نفي فعلية التعذيب، والمفيد والمطلوب نفي الاستحقاق، فيه: أن مدلوله الحكاية عن سنته تعالى في باب معاقبة العاصين، وأنه تعالى لا يعاقب إلا بعد البيان، ومعه فالمقدم على خلاف التكليف المحتمل يأمن من العقاب، ومعلوم أن هذا الأمن ليس بموجود في باب المعاصي، فالعقاب هنا معلوم العدم، لأنه على خلاف سنة الله في باب الطاعة والمعصية، وهو كاف في إثبات المطلوب، كما لا يخفى.
وأما ما عن بعض الأعلام في تقرير بحثه من: أن الآية ناظرة إلى نفي العذاب قبل بعث الرسول، ولا ينفيه عما إذا جاء الرسول وبين الأحكام، ثم اختفى لعروض بعض العوارض. فالجواب عنه ما أشرنا إليه من: أن ملاك نفي التعذيب هو بيان الرسول، وكما أنه إن بين لقوم ولم يبين لآخرين لا يتم الحجة إلا على القوم الأوائل فهكذا في مورد الكلام، فإن الاختفاء أوجب أن لا يبين لهؤلاء الغائبين المتأخرين.
والحاصل: أن دلالة الآية تامة، إلا أنها مساوقة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، ويكون أدلة إيجاب الاحتياط - لو تمت - مقدمة وواردة عليها، وبيانا مجوزا للتعذيب المنفي فيها.
ومن الآيات: قوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) * (1). وتقريب