إذ المبعد لا يكون مقربا.
والظاهر صحتها فيه لأنه بعدما فرض اشتماله على ملاك الوجوب، ومعلوم أن المولى في تكليفه الايجابي إنما يريد من المكلف ويكون تمام غرضه الداعي إلى الايجاب صرف هذا الملاك، فالمكلف يمكنه أن يأتي بالعمل بلحاظ اشتماله على ملاك موافق لغرض مولاه، فإن كان ملتفتا إلى الحرمة يأتي به بهذا الداعي، وإن كان غافلا غير معذور يقصد بعمله امتثال أمره، إلا أن الأمر غير موجود، وملاك الصحة موجود.
وبالجملة فمنتهى ما يعتبر في العبادات أن يؤتى بها لله تعالى، وهذا المعنى حاصل في حال الغفلة بقصد الأمر، وفي حال الالتفات بقصد الملاك، وحيث إن العمل مشتمل على الملاك فهو من هذه الحيثية قابل للتقرب به كما لعله لا يخفى.
هذا في الصورة الثانية.
وأما الصورة الأولى: أعني ما إذا كان معذورا، فإن قلنا على الامتناع بتبعية الأحكام في مقام انشائها أيضا لأقوى الملاكين فوجه صحة العمل هو ما ذكرنا في صورة الغفلة الغير المعذور فيها، أعني أن داعي الرجل هو الأمر الذي يتخيله، وملاك الصحة وكونها من قبيل الامتثال اشتماله على الملاك (1)، وحاصل وجه تبعية انشاء الأحكام لأقوى الملاكين أن العقل كما يحكم بمنافاة اجتماع الوجوب والحرمة الفعليين على واحد، كذلك يحكم بامتناع اجتماع مبادئ إنشائهما من الحب والبغض عليه، وفيه نظر يظهر بمراجعة ما سيأتي.
نعم، إن قلنا: بكون تبعية فعلية الأحكام لأقوى الملاكين فحيث إن الحرمة غير فعلية فلا مزاحم لبلوغ الوجوب حد الفعلية، فيكون ملاك الصحة مضافا إلى ملاك الوجوب الفعلي، ومثله لو قلنا: بملازمة الانشاء للفعلية، وتبعيته لها، كما في نهاية الدراية، فراجع، لكن سيأتي - إن شاء الله تعالى - أنه لا وجه لبلوغ الوجوب حد الفعلية حتى على هذا المبنى أيضا.