وقد لا تكون الطبيعة مشككة كما في الغالب، بل يكون كل فرد وإن اجتمع مع غيره مصداقا واحدا للطبيعة بحياله، ففي مثلها حيث إن الإطلاق قضى بأن تمام مراد المولى ومطلوبه، هو نفس الطبيعة، فالطبيعة نفسها بتمامها موجودة في ضمن أي فرد من الأفراد، فإذا أتى بفردين فلا دليل على أن وجودين من الطبيعة قائم بهما غرض المولى ومحصلان لغرضه، بل إنما المحصل هو وجود الطبيعة الصادق على هذا الفرد، وعلى ذاك.
وبالجملة: فالمفهوم عرفا من الإطلاق: أن غرض المولى قائم بوجود الطبيعة، وحيث إن الطبيعة موجودة بوجود فرد فيفهم أن غرضه قائم بفرد بما أنه الطبيعة، فالفردان أحدهما زائد على مراده، وعليه فالامتثال إنما هو بواحد لا بعينه، لا بالمجموع.
الثالث: إذا امتثل الأمر بإتيان فرد واحد فقد عرفت سقوط أمر المولى به رأسا، وغرض المولى من الأمر يحصل بإتيان المأمور به حيث إنه علة تامة لحصوله، كما بينه في نهاية الدراية، فلا موقع لرفع اليد عن الامتثال به وإتيان فرد آخر يكون به الامتثال، إذ الامتثال فرع الأمر المفقود هنا بسقوطه. نعم، له أن يأتي بالمأمور به ثانيا برجاء أنه لعل المولى لم يستوف غرضه الأقصى من المأتي به أولا، فيستوفي مما يأتي به ثانيا، وإتيانه بهذا القصد كاف في عباديته فيما كان المأمور به مشروطا بقصد القربة، وحينئذ فإن كان هنا خصوصية مرغوب إليها قد ندب المولى إليها وفقدها المأتي به أولا فله إتيان المأمور به ثانيا لإدراك ما قد فاته من الخصوصية، ولو علم بعدم حصول غرض المولى الأقصى من الإتيان الأول لكان الإتيان الثاني مستحبا قطعا، وللكلام تتمة فانتظرها.
المبحث الثامن في الفور والتراخي الحق أن إطلاق الصيغة لا يقتضي الفور ولا التراخي، بل المفهوم منه عرفا إنما هو البعث نحو المادة، وليس هذا البعث عند العقلاء حجة على أحدهما