إسناد أن العقلاء يرون هنا بالانحلال بأوامر متعددة مولوية واضح البطلان، والله العاصم.
هذا كله حول أخذ القربة في متعلق أمر واحد، وقد عرفت صحة أخذها فيه وإمكانه سواء كانت بمعنى قصد امتثال الأمر، أو بمعنى إتيان العمل لله تعالى.
ثم على التنزل عما هو الحق وتسلم امتناع أخذها في متعلق أمر واحد لبعض المحاذير التي أشير إليها - كما عليه صاحب الكفاية - فهل ترتفع تلك المحاذير بإنشاء أمرين: أحدهما يتعلق بذات الفعل ومتنه، والثاني بإتيان هذا الفعل بداعي أمره المتعلق به أم لا؟
قال في الكفاية: بعد دعوى القطع بأنه ليس في العبادات إلا أمر واحد لا أمران: إن الالتجاء إلى الأمرين أيضا لا يحل المشكلة، وذلك أنه لو فرض موافقة الأمر الأول بلا قصد امتثاله فهل يسقط ذلك الأمر أم لا؟ فإن اختير سقوطه فلا يصل الآمر بحيلة الأمرين أيضا إلى غرضه. وإن اختير عدم سقوطه فلا يكون له وجه، إلا أن لقصد الامتثال دخلا في حصول غرضه، وأن ما لم يحصل الغرض لم يسقط الأمر، ومعه فالأمر الواحد كاف للدعوة إلى قصد الامتثال، ويكون الثاني لغوا قبيحا لا حاجة إليه أصلا (1).
أقول: لقائل أن يختار سقوط الأمر الأول ويجيب عن إشكال الكفاية:
أولا: بأن مرادنا بالسقوط جواز الاكتفاء بالمأتي به بلا قصد القربة بالنسبة لإطاعة أمره، إلا أنه لم ينسد فيه باب تبديل الامتثال، بل للمكلف أن يأتي به ثانيا ليقع به الطاعة والامتثال، وتتحقق إطاعة الأمر الثاني أيضا، فإذا كان له سبيل إليه فوجوب إطاعة الأمر الثاني عقلا يلزمه إليه.
وثانيا: لو سلمنا سقوطه بالمرة بحيث لم يكن له طريق إلى تبديل امتثاله بتاتا فمع ذلك أيضا لا مجال لقوله (قدس سره): " فلا يتوسل الآمر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة "، وذلك أن المقصود بوصوله بها إلى غرضه ليس الوصول الخارجي،