معناه كاستعماله سائر الألفاظ في معانيها، من غير أن يتكرر الوضع والتسمية من غير الواضع، بل غيره هم المستعملون لا غير، كما لا يخفى، والشاهد على جميع ما ذكرناه هو مراجعة عمل العقلاء في هذه الموارد، هذا هو حقيقة الوضع.
2 - من هو الواضع؟
وأما أن الواضع الأول من هو؟ فلا دليل إليه قطعيا، إلا أن من الممكن أن يضع الناس بالتدريج - حسب ما يحدث من حوائجهم - الألفاظ للمعاني المحتاج إليها، فبامتداد الأزمان تكثرت الألفاظ الموضوعة حتى يعبر عنها أنها غير متناهية، ولعله ليس كذلك. كما أن بتكثر الأقوام تكثر اللغات والمرادفات، ومن المحتمل أن يكون الواضع أو الواضعون الأنبياء أو العلماء، إلى غير ذلك والأمر غير مهم.
ثم إن حقيقة الوضع - على ما فسرناه - لا يوجب تغييرا خارجيا في الألفاظ الموضوعة، لا في حقيقتها ولا في أوصافها الحقيقية، وإنما يوجب اختصاصا اعتباريا للفظ بالمعنى يترتب عليه عند العرف مرآتية اللفظ للمعنى، وانتقال الذهن - بعد العلم بالوضع - من تصور اللفظ إلى المعنى ذلك الانتقال الذي كأن المعنى هو الملقى.
وهذا الاختصاص كما يحصل بالوضع فربما يحصل من ناحية كثرة إطلاق اللفظ بما له من المعنى على بعض الافراد إطلاق الكلي على مصداقه الحقيقي أو الادعائي، فإذا حصل هذا الحد من الاختصاص كان اللفظ مرآة لذلك الفرد وصار اسما له بلا تعيين ولا تسمية من أحد، وبهذا المعنى صح تقسيم الوضع إلى التعييني والتعيني، فبالحقيقة يكون إطلاق الوضع على التعيني إطلاقا مسامحيا، منشأه وجود نتيجة الوضع في موارده أيضا، وإلا فلا وضع ولا تسمية فيها، فالوضع بمعناه الحقيقي ليس له قسمان، وبالمعنى الأعم لا بأس بتقسيمه، والأمر سهل.