وأخرى يراد به أن البعث إلى الفعل كما أنه بعث وتحريك نحوه، فهو تحريك عن خلافه وزجر عنه مصداقا، كما أن التقريب إلى مكان تبعيد عن الآخر مصداقا.
لكنه أيضا غير كاف في اثبات الحرمة والنهي، فإن قوامهما بانشاء الزجر أو الحرمة، ولا يكفي فيهما هذه المصداقية الاعتبارية، كما لا يخفى.
وثالثة يراد به أن الطلب النفساني حيث إنه منشأ لبعث العبد نحو الفعل، - والبعث قد عرفت أنه مصداق الزجر عن خلافه - فهذا الطلب إذا قيس إلى الفعل يكون وجوبا، وإذا قيس إلى الترك يكون حرمة ولو مجازا.
وما في الكفاية يرجع إلى هذا الأخير إن أريد به الطلب النفساني، والى ما قبله إن أريد الطلب الانشائي وعلى أي حال فجميع الدعاوى منظور فيها على ما عرفت.
الأمر الرابع: في ثمرة البحث:
قد مر في الأمر الأول: أن ثمرة المسألة بما أنها مسألة أصولية استفادة حرمة الضد شرعا إذا ثبت وجوب ضده، وأما بطلانه إذا كانت عبادة فهو ثمرة حرمتها، لا ثمرة المسألة الأصولية، كما مر توضيحها مفصلا في ثمرة البحث عن مقدمة الواجب.
وكيف كان فقد قيل: بأنه على القول بالاقتضاء إذا كان الضد عبادة مزاحمة بأهم منها، أو موسعة مزاحمة بواجب مضيق أو فوري فاللازم بطلان العبادة - إن أتى بها وترك مزاحمها - فإنها حينئذ محرمة، والنهي عن العبادة يقتضي فسادها.
والحق انتفاء هذه الثمرة، لا لأن النهي لما كان غيريا لا يوجب انتفاء ملاك العبادية وزواله عن التمامية، فإن البطلان الناشي عن النهي لا يدور مداره، فيمكن أن يكون الملاك باقيا على ما كان عليه، إلا أنه بمقتضى أقوائية ملاك الحرمة يتبعه الحكم من ناحية المولى، فيكون مبغوضا عنده ولا يصلح للمقربية، بل لأن النهي سواء كان بملاك مقدمية العدم أو من طريق الاستلزام لم ينشأ عن مبغوضية العبادة