الأمر الخامس في قيدية الإرادة لمعنى الألفاظ وعدمها قد عرفت أن الوضع عبارة أخرى عن التسمية، وأن الواضع يسمي المعنى الموضوع له بلفظ مخصوص، فنفس المعنى هو تمام الموضوع له بلا أي قيد أصلا، كما يشهد به الضرورة والوجدان.
ثم إن لازم هذه التسمية بعد العلم بها هو الانتقال إلى المعنى الموضوع له بمجرد تصور اسمه ولفظه، إلا أن مجرد هذا الانتقال لا ينبغي أن يعد دلالة فإن الدلالة هي الهداية إلى المرادات الواقعية، ولو سميته أيضا دلالة لما كان مشاحة في اصطلاح، لا سيما وفيه شائبة اهتداء من اللفظ إلى معناه، وربما يشمله إطلاق مفهوم لفظ " الدلالة ".
وكيف كان فالغرض من الوضع إنما هو أن يجعل اللفظ قالبا للمعنى ويلقى به المعنى، فإلقاء المعنى به هو الذي ينبغي أن يسمى بالدلالة، سواء أكان ناشئا عن جد ومرادا بالإرادة الجدية المبحوث عنها في باب حجية الظواهر، أم كان ناشئا عن هزل أو غير ذلك، والظاهر أن هذا هو مراد العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي (قدس سرهما) كما هو ظاهر عبارتهما في منطق الإشارات وشرحه، وإليك نص عبارتيهما:
فقال الشيخ الرئيس: اعلم أن اللفظ يكون مفردا، وقد يكون مركبا، واللفظ المفرد، هو الذي لا يراد بالجزء منه دلالة أصلا حين هو جزؤه، مثل تسميتك إنسانا بعبد الله، فإنك حين تدل بهذا على ذاته - لا على صفته من كونه " عبدا لله - فلست تريد بقولك عبدا شيئا أصلا، فكيف إذا سميته بعيسى؟ بلى في موضع آخر قد تقول: عبد الله وتعني بعبد شيئا، وحينئذ عبد الله نعت له، لا اسما، وهو مركب لا مفرد، والمركب هو يخالف المفرد (1) انتهى.
ثم قال المحقق الطوسي في شرحه: " أقول: قيل في التعليم الأول: إن المفرد