الواجب هكذا: هل الإرادة الحتمية المتعلقة بالفعل - كما في الواجب - أو بالترك - كما في الحرام - تلازم إرادة مقدمته؟ وذلك أن الواجب يختص اصطلاحا بما تعلقت الإرادة الحتمية بفعله، فلا يشمل ترك الحرام المتعلق أيضا لإرادة حتمية، مع أنه أيضا متعلق لإرادة حتمية، وملاك القول بالملازمة فيهما واحد بعينه.
وفيه: أن المشاهد بالوجدان عند ما أردنا فعلا أنه ليس في وجداننا إلا انتزاع نحو إتيان العمل والفعل، وليس في أنفسنا مضافا إلى هذا الانتزاع انزجار عن تركه، بحيث كان في أنفسنا أمران: إرادة وكراهة، وحب وبغض. وهكذا عندما نكره فعلا فليس في وجداننا إلا الكراهة، والانزجار عن الفعل، لا إرادة وانتزاع نحو تركه، ويتبعهما البعث والزجر التابعان لهذه المبادئ، ولذلك فليس في الواجبات إلا تكليف واحد هو البعث والوجوب، ومثلها المحرمات.
وعليه فالإرادة أو الكراهة أمران مختلفان بالحقيقة لابد من النظر إلى مقتضى كل منهما على حدة، وليس البحث عن أحدهما عين البحث عن الآخر، ولا مجزيا عنه، والله العالم.
الثالث: أن لفظ " المقدمة " وإن لم يكن واردا في رواية أو آية أو معقد إجماع حتى نبحث عن مدلولها اللغوي، إلا أنه لا ريب في أن ملاك الوجوب الغيري لشئ هو توقف ذي المقدمة عليه في وجوده، فإنه مع عدم التوقف - كما في المتلازمين - لا وجه لوجوبه تبعا لوجوب غيره، ومع التوقف يجري دليل وجوبه، أعني: حكم العقل بأن من طلب شيئا طلب ما يتوقف عليه.
لكنه لا يخفى أن التوقف الملاك للوجوب الغيري إنما يتم مع المغايرة بين الموقوف والموقوف عليه مغايرة ما، من دون استدعائه للاستقلال الوجودي، وعليه فملاك هذا الوجوب موجود في المقدم الطبعي مطلقا الذي منه أجزاء المركب، بل والحدوث المتوقف عليه البقاء، فإن البقاء: عبارة عن وجود الشئ في الزمن الثاني المغاير ولو بحسب الزمان لوجوده في الزمن الأول، فالحدوث مقدمة للبقاء وواجب مقدمي بوجوبه، وللكلام تتمة.