مراد المتكلم بكلامه، إلا أن هذه الإرادة والمرادية ليست هي الإرادة الجدية، بشهادة أن المتكلم إذا كان في مقام البيان، وقال: " أكرم عالما " - مثلا - ثم قال:
بكلام منفصل: " لا تكرم فساق العلماء " لكان كلامه هذا المنفصل قرينة على إرادة خلاف الظاهر جدا من كلامه المطلق، ويتصرف به في جده من دون أن يوجب الكشف عن عدم كونه في مقام البيان، فإنه خلاف المفروض كما عرفت، بل هو كما إذا قال أولا: " أكرم العلماء " أو: " أكرم أي عالم شئت " ثم قال منفصلا:
" لا تكرم الفساق من العلماء " فكما أن كلامه المنفصل هنا قرينة التصرف في أصالة جد كلامه الأول فهكذا فيما نحن فيه حرفا بحرف، فإن كيفية التصرف في الظهور السابق - كانعقاد أصل الظهور في كلا الموردين في نظر العقلاء والعرف وارتكازهم - واحدة، وإنما الاصطلاح سمى أحدهما بالتقييد، والآخر بالتخصيص، ففي كلا الموردين الإرادة الاستعمالية محفوظة، وإنما يتصرف في الإرادة الجدية، غاية الأمر أن الدال على الإرادة الاستعمالية في العموم نفس الوضع اللغوي، وفي الإطلاق هو المقدمات، فالمقدمات كاشفة عن الإرادة التي نسميها إرادة استعمالية، لاعن الإرادة الجدية، ولا عن المفهوم اللغوي.
الثامن: قال في الكفاية: تبصرة لا تخلو من تذكرة: وهي أن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف بحسب اختلاف المقامات، فإنها تارة يكون حملها على العموم البدلي، وأخرى على العموم الاستيعابي، وثالثة على نوع خاص مما ينطبق عليه، حسب اقتضاء خصوص المقام، واختلاف الآثار والأحكام، كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام، فالحكمة في اطلاق صيغة الأمر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي، فإن إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان، ولا معنى لإرادة الشياع فيه، فلا محيص عن الحمل عليه في ما إذا كان بصدد البيان " انتهى ".
أقول: قد عرفت الكلام على اقتضاء المقدمات للعموم البدلي أو الاستيعابي، عند البحث عن الإطلاق البدلي والشمولي، وأن مقتضى المقدمات إنما هو كون