بعث المولى وطلبه حجة عند العقلاء على وجوب المطلوب ما لم تقم قرينة على إرادة الاستحباب، والله العالم وهو الهادي إلى سواء السبيل.
المبحث الرابع في التعبدي والتوصلي فهل إطلاق الصيغة يقتضي التوصلية أم التعبدية، أم لا يقتضي شيئا منهما، ويكون المرجع مع الشك هو الأصول العملية؟ وما هو الأصل العملي حينئذ؟
قبل الورود في أصل المبحث تقدم أمور:
الأول: أن التعبدي منسوب إلى التعبد، أعني الإتيان بشئ عبادة، والعبادة قد يراد بها ما قوامه الخضوع وإظهار العبودية لله تعالى مثلا، كالركوع والسجود له تعالى، وهي المرادفة لما يراد في الفارسية من لفظة " پرستش ".
وقد يراد بها ما يؤتى به امتثالا لأمر الله تعالى - مثلا - به وإن لم يعتبر في صحته ذلك.
كما قد يراد بها ما يعتبر صحته بأن يؤتي به بقصد القربة والامتثال، سواء أكان من قبيل الأول أم لا، كالوضوء والغسل.
والمقصود بالكلام عنه في هذا المبحث هو المعنى الثالث.
وحينئذ فالمراد بالتوصلي الذي يقابله هو ما لم يشترط صحته بقصد القربة والامتثال، سواء اشترط بقصد العنوان، كأداء الدين أم لا، وسواء اشترط فيه المباشرة أو الاختيار أم لا، بل وسواء اشترط فيه إتيان إنسان به أم لا، كتطهير الثياب من النجاسات، فجميع هذه الأقسام داخلة في قسم التوصلي هنا، وإن كان ربما أطلق على بعضها التوصلي باصطلاح آخر، كما في المقيد بالمباشرة والاختيار.
الثاني: الظاهر أن الفرق بين التعبدي والتوصلي إنما هو في الملاك والغرض المراد من المأمور به، فلا يحصل غرض الآمر في التعبدي إلا بقصد القربة، بخلافه