أنه ليس لصيغة الأمر دلالة على إيجابه بواحدة من الثلاث، وهو ظاهر، ولا يمتنع عند العقل تصريح الآمر بأنه غير واجب، والاعتبار الصحيح بذلك شاهد، ولو كان الأمر مقتضيا لوجوبه لامتنع التصريح بنفيه (1). انتهى. ومع هذا الاستدلال العقلي منه وذكره أدلة عقلية من خصمه كيف يصح إسناد القول بلفظية المسألة إليه بمجرد ذكرها في مباحث الألفاظ، فذكرها فيها لمناسبتها لمدلول الهيأة من الوجوب، والأمر سهل.
الثاني: قالوا: إن المراد بوجوب المقدمة المبحوث عن ملازمته لوجوب ذي المقدمة هنا ليس الوجوب العقلي الذي هو بمعنى اللابدية، ولا الوجوب العرضي الثابت لذي المقدمة حقيقة، والمنسوب إلى مقدمته مجازا، ولا الوجوب الثابت عن إرادة فعلية تابعة وناشئة عن الإرادة الفعلية المتعلقة بذي المقدمة، إذ ربما يكون المولى غافلا عن أن لما أوجبه مقدمة، ومعه يستحيل ثبوت إرادة فعلية بالمقدمة، بل المراد هو الوجوب الثابت بإرادة شأنية، بمعنى أن العقل يحكم بالملازمة بين إرادة ذي المقدمة فعلا وكون المولى بحيث لو التفت إلى أن له مقدمة لأرادها.
وفيه: أن ما يمكن القول بملازمته الوجوب الشئ وإن كان هذا - وهو أمر موجود في قبال عدمه، فلا يرد أنه لا يعقل الملازمة بين موجودين، وهذا المعنى ليس بموجود - إلا أن الوجوب إنما يعتبر عن مقام البعث نحو الشئ، وبعبارتهم عن مقام الإرادة المظهرة له، ولا أقل من وجودها الواقعي، والمفروض غفلة المولى عن احتياج واجبه إلى مقدمة أحيانا، ومعه فلا إرادة له متعلقة بالمقدمة رأسا، فضلا عن إظهارها والبعث نحو مقدمته.
نعم، لو التفت إليها لأراد، بناء على القول بالملازمة، ولكن يسهل الخطب أن مولانا الجليل لا يتأتى منه غفلة وذهول.
تكميل: ربما يقال - كما في الدرر (2) -: بأن الأولى تبديل عنوان مقدمة