آخر من الأغراض، وحيث إن الشرط إنما يكون شرط فعلية الحكم والخطاب مع ترتب الغرض على نفس الطبيعة، فلذلك لا يقيد المكلف به والمطلق بخصوص الواجد للشرط، وبالجملة: فانشاء الحكم على الطبيعة قبل بلوغ زمان الفعلية مما لا محذور فيه.
إلا أنه يمكن الاشكال عليه، بان مرجع هذا الكلام إلى تقدم انشاء الحكم عليه، ولا بأس به، إلا أنه لا يثبت للحكم وجودا انشائيا بل المنشأ نفس الحكم الفعلي، غاية الأمر أنه تقدم إنشاؤه على وجوده المحقق في الظرف اللائق به، ولذلك قلنا: بأن الوجوب في الواجب المشروط موقوف ومعلق بحصول الشرط، ويكون لب مراد المنشئ انشاء الحكم وايجاده في ذلك الظرف. نعم، اللفظ الحاكي له والموضوع لايجاده مقدم عليه، وموجود قبل حصوله.
وبالجملة ففرق بين إنشاء الحكم، والحكم الإنشائي، وما أفاده (قدس سره) من قبيل الأول، لا الثاني، اللهم: إلا أن يكون مراده (قدس سره) ما كان يفيده العلامة سيدنا الأستاذ الأعظم - مد ظله -: من أن للحكم مرتبتين: مرتبة الإنشاء، وهي مرتبة تصويبه وجعله قبل أن يوضع بيد الإجراء، فللمجعول عند العقلاء في هذه المرتبة وجود اعتباري، يعبر عنه حينئذ أيضا بالحكم، إلا أنه حكم لم يوضع بيد الإجراء والعمل - كما في الأحكام المودعة عند ولي العصر " أرواحنا له الفداء " - فهذه الأحكام لو علم بها لا يجب امتثالها لعدم بلوغ زمان إجرائها، فلو أراد المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) أيضا هذا المعنى لكان لما أفاد وجه.
فقد تلخص مما ذكرنا أن البعث الفعلي متقوم بالحب الفعلي، وهذا الحب موجود حتى فيما كان الشخص معذورا في المخالفة لجهله بالحال، وهكذا الأمر في البغض الذي هو منشأ للزجر الفعلي، وقد عرفت أن ملاك المنافاة بين الأحكام إنما هو منافاة هذه المبادئ، وحينئذ فمما ذكرناه تعرف أنا وإن قلنا: بتبعية فعلية الأحكام في المجمع لأقوى الملاكين، إلا أن نفس هذا الحب أو البغض لما كان موجودا مع عدم الوجوب والحرمة، فمع جهل المكلف بالغصب - مثلا - يمنع بغض