الأمر الثامن: تأسيس الأصل في المسألة:
لا ينبغي الريب في عدم جريان الأصل في أصل الملازمة نفيا ولا اثباتا، إذ قضية " وجوب المقدمة ملازم لوجوب ذيها " بنحو الكون الناقص كليا، مثل قضية " وجوب الذهاب إلى السوق " - مثلا - ملازم لوجوب اشتراط اللحم، على نحو الكون الناقص الجزئي بعد ما ثبت " وجوب اشتراء اللحم " لا حالة سابقة يقينية لها لا اثباتا ولا نفيا، إلا على العدم الأزلي الغير الجاري فيه الاستصحاب، وهكذا وجود الملازمة بين الوجوبين أو عدمها على نحو الكون التام كليا لم يعلم له حالة سابقة.
مضافا إلى أن الشك في أصل الثبوت لا في البقاء، ضرورة ان كلا من المفاهيم المذكورة لو ثبت، فهو دائم باق وهكذا مقابلاتها.
نعم، بناء على أن فعلية وجود هذه الملازمة إنما هي بفعلية الوجوب، وإن أمكن الحكم بعدم تحققها بعد تحقق وجوب ذي المقدمة في الشريعة، إذ هو مسبوق بالعدم حينما لم يتحقق وجوب ذيها، وإنما علم وجوب ذيها، فحكم ببقاء الملازمة على العدم المحمولي، لكنه لا يثبت أن وجوب المقدمة ليس ملازما لوجوب ذيها، مضافا إلى أنه لو سلم جريان أصل العدم وعدم الاشكال من ناحية الحالة السابقة، إلا أن من المعلوم أن عدم ترتب وجوب المقدمة على وجوب ذيها بعد ثبوت عدم الملازمة ليس بشرعي، كما لا يخفى.
نعم، نفس وجوب المقدمة كليا وجزئيا حكم شرعي مسبوق بالعدم، يحكم بالاستصحاب ببقائه على هذا العدم، ولا قصور في شمول خطاب لا تنقض لمثله، بعد أن كان حكما شرعيا، وكان مفاد لا تنقض مجرد الحكم ببقاء ما كان، لا اثبات تكليف تحريمي بعدم النقض، كي لا يكون له مجال هاهنا.
وأما حديث كون وجوب المقدمة من قبيل عوارض الماهية فلا أصل له، كما أوضحه في نهاية الدراية، بل وجوب المقدمة - كوجوب ذيها - له وجود يخصه ومباد خاصة، نعم، حيث إن الغرض المترتب عليها غرض غيري فلا محالة إذا كان