وأما إذا كان في مقام البيان فتدل الأدلة حينئذ على أن طبيعة البيع تمام الموضوع في الشرع للحكم بالصحة، فأينما تحققت وبأي سبب تحققت فقد تحقق تمام موضوع الحكم، ولا محالة يحكم عليها بترتب الأثر عليها، وحيث إن الطبيعة بالنسبة إلى الأفراد كالآباء والأبناء، ولكل فرد طبيعة متحدة معه وسبب خاص به، فإذا اقتضى الدليل صحته فلا محالة يترتب الأثر المطلوب على جميع الأفراد، فالبيع بالفارسية أيضا موجب للنقل والانتقال شرعا، وهو عبارة أخرى عن صحة الإيجاب والقبول بغير العربية. ومن المعلوم أنه لا فرق في هذا الاقتضاء بين أن يكون البيع من باب الإيجاد بالآلة أو من باب الأسباب والمسببات، كما لا يخفى.
الثالث: أن دخل شئ في المأمور به تارة بكونه مع سائر الأشياء مقوما جوهريا لحقيقته وعنوانه، كما في أجزاء المركب المأمور به، وأخرى بكون التقيد به لازما مع خروجه بنفسه عن مقوماته، كالشرائط. وثالثة بكونه بحيث لو وجد لا نطبق عنوان المأمور به عليه أو على المقيد به، ولو فقد لما أضر بصدق عنوان المأمور به على ما يتحقق مع فقدانه، كالقنوت، وإتيان الصلاة بالجماعة أو في المسجد، فإن الفرد المشتمل على القنوت بما أن من أجزائه القنوت مصداق للصلاة التي تعلق الأمر بها، وبما أنه مأتي به جماعة في المسجد مصداق لها ومع ذلك لو صلى في داره فرادى بلا قنوت لكانت صلاة صحيحة.
وتصويره: أن الطبيعة تكون لا بشرط عن الاتحاد بأجزائها التي تعد من كمالاتها، أو بالمقيد بالأوصاف الكمالية لها، كما في الدار الصادقة على الفرد المشتمل على أقل ما يصدق به عنوان الدار من الأجزاء والأوصاف، في عين أنها تصدق أيضا على الفرد الكامل المشتمل على بيوت متعددة ومرافق كذلك على أحسن ما يكون لها من الأوصاف، فهذا الفرد الكامل بشراشر وجوده أجزاء وأوصافا مصداق للدار، بحيث لو أمر المولى ببناء الدار، وأتى بهذا المصداق الكامل لكان بجميع خصوصياته مصداقا للمأمور به، في عين جواز الاقتصار على الأقل أيضا، ولازمه - كما ترى - جواز الإتيان بالفرد الكامل أو المشتمل على