ثابتة على كل احتمال مقابل للوجوب النفسي، سواء كان وجوبا غيريا مقدميا، أو وجوبا للغير، فإذا احتمل أن الوجوب المتعلق بالطبيعة مقدمي أو للغير - كما على القولين - أو أنها ليس المراد النفسي وإنما أمر بها لمكان امتناع الأمر بأزيد منها فحيث إن أمره يصير كالمقدمي كان الإطلاق حجة على خلافها، وحينئذ فما يقال في جوابه من أن المقدار المسلم أن الأمر ظاهر في كونه لجعل الداعي لا كونه منبعثا عن غير داعي التمهيد لا يصغى إليه. هذا.
ويمكن أن يجاب: بأن مقتضى ما ذكر من الحجية العقلائية أن ترك المأمور به باحتمال كونه أو أمره مقدمة لما لا يجب عليه فعلا غير جائز، وإطلاق الأمر حجة للمولى فيه على العبد، وأما أن هذا الإطلاق حجة العبد أيضا على المولى يصح أن يحتج بها عليه، بأن أمره نفسي فلا شاهد ولا دليل عليه، إذ بعد تسليم أن ظاهر الأمر ليس إلا البعث الصادق في جميع الموارد، فالشاهد العقلائي المزبور لا يقتضي أزيد من حجيته للمولى لا عليه، ولذلك فترى العقلاء لا يجوزون للعبد أن يسند إلى المولى أن واجبه هذا نفسي بمجرد حجيته المزبورة، فتدبر جيدا.
القول في الأصل العملي:
ثم لو لم يكن إطلاق أو لم يمكن به رفع الشك عن اعتبار قصد القربة، وشك فيه فهل الأصول العملية منتجة نتيجة اعتبارها أو عدمه والكلام تارة في البراءة والاشتغال العقليين، وأخرى في الشرعيين.
وتفصيل المقام في الأصل العقلي: أنه إن قلنا بإمكان أخذ القربة في متعلق الأمر الأول كسائر الشرائط فحكمها حكم غيرها، وإن قلنا بعدمه وإمكان أخذه في متعلق أمر ثان: فإن قلنا بأن أمر نفس الطبيعة كالأمر الثاني أمر نفسي فلا ريب في جريان البراءة العقلية عن الأمر الثاني، سواء قلنا بأن الأمر الأول تعلق بصرف وجود الطبيعة، أو بمطلق وجودها ما لم يؤت بها بقصد أمرها.
وأما إن قلنا بأن أمرها غيري مقدمي أو أمر للغير، أو نفسي وأمر قصد القربة