الاستنباط - كما نص عليه في اللغة ويقتضيه مادة النبط - هو استخراج ما كان مخفيا عليه خبأ، وواضح أنه لم يستخرج الحكم في موارد الأصول العملية، بل إنما جعلت وظيفة عملية لمن شك فيه ولم يوفق لاستنباطه.
الأمر الثاني الوضع 1 - حقيقة الوضع:
لا ينبغي الريب - بعد التأمل القليل في كيفية حكاية الألفاظ المستعملة عن معانيها - في أن الألفاظ مرايا محضة لمعانيها، وتكون المعاني كأنها الملقاة إلى المخاطب، والألفاظ مغفول عنها بالمرة إلا من حيث كونها أدوات تفهيم المعاني المقصود إلقاؤها، فدلالة الألفاظ على المعاني بهذه الكيفية. فهذا الربط الشديد بين اللفظ والمعنى نعبر عنه بأن اللفظ اسم للمعنى.
ولا ينبغي الشك أيضا في أن هذا الربط إنما حصل عقيب وضع اللفظ للمعنى، بداهة أن احتمال دلالة الألفاظ بنفسها على معانيها مما لا يصلح الالتفات إليها، بل إنما هي بالوضع.
فحقيقة الوضع إنما هو جعل اللفظ اسما للمعنى - بالمعنى الذي بيناه - ممن كان يحق له ذلك، كالوالد يسمي ولده، ومولد القماش أو صانع صنعة يسمي مصنوعه، ونتيجته: أن من علم بوضعه هذا يتبعه ويستعمل اللفظ اسما على المعنى.
هذا هو حقيقة الوضع، وهو واضح لمن تأمل عمل نفسه عند تسميته ولده أو من فوض إليه تسميته.
وهنا قولان آخران:
أحدهما: يرجع إلى تفسير الدلالة بخلاف ما فسرناه، ففسرها بأنها من قبيل حكاية العلامات المنصوبة رأس الفراسخ - مثلا - على أن ذاك المكان رأس