وأما الثانية: فلأن العام المفروض إن كان على العنوان الأولي للأشياء لم يكف عند العقلاء في حصول الترخيص، فإن الترخيص اللازم الكافي هو الترخيص في ترك الامتثال، وإن كان ترخيص العام بعنوان ترك امتثال طلباته فنلتزم بالأخذ به وجعله قرينة على الندب في جميع أوامره، ولا نظن حينئذ أن الأصحاب يقولون بخلافه.
وأما الثالثة: فبأن حجية هذا الحكم العقلائي نظير حجية الظواهر، ويكون مثل ما إذا قلنا بظهور الصيغة وضعا في الوجوب، فكما أن الظهور طريق وحجة على الوجوب ومع ذلك فالحكم الواقعي مشترك بين العالم والجاهل فهكذا في حكم العقلاء، فالصيغة - بظهورها الوضعي أو بحكم العقلاء - حجة على الوجوب، ويكون العبد مأخوذا بمفادها، فلو كان الحكم الواقعي هو الوجوب، فهو المطلوب، ولو كان هو الندب فبانكشاف الواقع يظهر الحكم الواقعي، وأن هذا الظهور أو هذا الحكم العقلائي كان احتياطا محضا، وكان الحكم الواقعي هو الجواز، ولا إشكال.
وبالجملة: فما يقال - من هذه الجهة - في الطرق المعتبرة يقال به عينا في هذا الحكم العقلائي.
المبحث الثالث الجمل الخبرية المستعملة في مقام الطلب لا ريب في أنه كثيرا ما يراد الطلب بجمل خبرية كما في صحيحة صفوان بن يحيى: أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) " يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول، ولم يدر أيهما هو، وحضرت الصلاة، وخاف فوتها وليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال: يصلي فيهما جميعا " (1)، وغيرها من موارد كثيرة، وحينئذ يقع الكلام فيها تارة في كيفية إرادة الطلب بها، وأخرى في ظهورها في الوجوب.
أما الأولى: فقد يقال: " إن هيأة الجملة الخبرية هنا قد استعملت في معنى