بما قد يرى أنه المبدأ لها، كما في المجتهد الصادق حقيقة على صاحب الملكة وإن لم يستنبط بعد، والنجار الصادق على صاحب الحرفة الخاصة وإن لم يشتغل بنجر الأخشاب وصنع الأبواب مثلا. وكما في المفتاح الذي يصدق على الآلة الخاصة وإن لم يكن صاحبه مشغولا بالفتح به، بل ولم يفتح به بعد، فهذا قد يجئ في الذهن بأن أمثال هذه المشتقات خارجة عن حريم النزاع.
لكن بعض المشايخ - ومنهم صاحب الكفاية (1) - قد جعلوا عموم هذا الصدق رهين خصوصية معنى مبدئها، فالمبدأ في مثل المجتهد هو ملكة الاجتهاد، وفي النجار هو اتخاذ هذه الحرفة والصنعة شغلا، فالتلبس بهما لا يقتضي أزيد من وجود الملكة الخاصة والحرفة المعينة، من دون استلزام لفعلية مثل الاستنباط والنجارة أصلا.
والإنصاف: أن هذا الاختلاف المذكور بين مبادئ المشتقات أمر واقع جزما، ولازمه أيضا ما ذكرناه، إلا أن التصديق بأن جميع موارد النقض من أحد القبيلين غير ممكن، فإن مبدأ " المفتاح " هو الفتح الذي من قبيل الفعل، مع أن صدقه - كما عرفت - لا يحتاج إلى وقوع الفتح به أصلا، بل لا يبعد أن يكون الأمر في كل أسماء الآلة أو جلها من هذا القبيل، فالمضراب صادق على ما أعد للضرب به وإن لم يضرب به بعد، وهكذا الأمر في المكنس والمنشار وغيرهما، مع أن من الواضح كون المبدأ فيها، هو الضرب أو الكنس أو النشر الذي من قبيل الإفعال.
ولذلك فقد يقال: إن مفاد هيأة اسم الآلة أن ما يجري عليه معد لأن يوجد به المبدأ، فما دام هذا الإعداد متحقق فهو متلبس بالمبدأ، وإذا زال إعداده فقد انقضى المبدأ عنه، فالاعداد داخل في مفاد الهيأة، وإن كان المبدأ فيه هو المبدأ في سائر المشتقات، وأرى أنه لا بأس به. وكيف كان فالأمر سهل.
الخامس: إذا كان عنوان البحث - كما في الكفاية (2) - أن المشتق هل هو حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال أو فيما يعمه وما انقضى عنه؟ وإليه يرجع