الجهة الثالثة:
الظاهر أن مادة الأمر ظاهرة في الوجوب بمالها من المعنى الموضوع له، والدليل عليه ملاحظة مرادفه، أعني لفظة " فرمان "، فإنها لا تصدق إلا في موارد الحتم والإيجاب، لا في مورد الندب والاستحباب، وعليه فإطلاقها على خصوص المندوب، أو على معنى يعمه والواجب - كما في تقسيم الأمر إليهما - إطلاق مسامحي، ويؤيده مثل قوله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * (1) وإن كان الاستدلال بمثله غير تام، فإن الاستعمال أعم من الحقيقة.
الجهة الرابعة:
قال في الكفاية: " الظاهر أن الطلب الذي يكون هو معنى الأمر ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلبا بالحمل الشائع الصناعي، بل الطلب الإنشائي الذي لا يكون بهذا الحمل طلبا مطلقا، بل طلبا إنشائيا... ولو أبيت إلا عن كونه موضوعا للطلب فلا أقل من كونه منصرفا إلى الإنشائي منه عند إطلاقه، كما هو الحال في لفظ " الطلب " أيضا، وذلك لكثرة الاستعمال في الطلب الإنشائي. كما أن الأمر في لفظ " الإرادة " على عكس لفظ " الطلب "، والمنصرف عنها عند إطلاقها هو الإرادة الحقيقية " (2) انتهى.
وحاصله: أن لفظ الطلب والإرادة معناهما واحد، وحقيقتهما هو ذاك الشوق المؤكد المستتبع لتحريك عضلات المريد نفسه أو لأمر عبيده به، ومصداقهما الإنشائي هو الأمر بالشئ وإنما يختلفان في المنصرف إليه للفظ " الطلب " وهو الطلب الإنشائي، وللفظ " الإرادة " وهو المصداق الحقيقي، وأما لفظة " الأمر " فمعناه خصوص الطلب الإنشائي. هذا.
أقول: وهذا الذي أفاده محل بحث وكلام يعرف بعضه مما سبق.
وتوضيح المقام: أن المعاني التي ربما يقال بتحققها على نحوين: